ولما ذكر سبحانه حال المؤمنين ، وما يؤول إليه أمرهم ذكر مثلا للكافرين فقال :
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ } التي هي من أعمال الخير ، كالصدقة ، والعتق والوقف ، والصلاة ، وفك العاني ، وعمارة البيت ، وسقاية الحاج { كَسَرَابٍ } هو ما يرى في المفاوز من لمعان الشمس عند اشتداد حر النهار ، على صورة الماء في ظن ما يراه ، وسمي سرابا لأنه يسرب ، أي : يجري كالماء ، يقال : سرب الفحل ، أي مضى ، وسار في الأرض ويسمى الآل وقيل الآل هو الذي يكون ضحى ، كالماء إلا أنه يرتفع عن الأرض . حتى يصير كأنه بين السماء والأرض { بِقِيعَةٍ } أي فيها فالباء بمعنى في ، وهو جمع قاع وهو الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء مثل جيرة وجار قاله الهروي .
وقال أبو عبيدة : قيعة وقاع واحد ، حكاه النحاس قال الجوهري : القاع المستوى من الأرض والجمع أقوع وأقواع وقيعان صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها ، والقيعة مثل القاع قال : وبعضهم يقول هو جمع والقاع ما انبسط من الأرض واتسع ولم يكن فيه نبت وفيه يكون السراب ، وقرئ بقيعاه بهاء مدورة كما يقال رجل عزهاه ، وقيعات بتاء مبسوطة وقيل الألف متولدة من إشباع العين على الأول وجمع قيعة على الثاني .
{ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء } الظمآن العطشان ، وقرئ الظمآن بغير همز ، والمشهور عنهم الهمز ، وتخصيص الظمآن بالحسبان مع كون الريان يراه كذلك . لتحقيق التشبيه ، المبني على الطمع ، ولأنه أحوج إليه من غيره ، فالتشبيه به أتم .
{ حَتَّى إِذَا جَاءهُ } أي : إذا جاء العطشان ذلك الذي حسبه ماء ، أو جاء موضعه { لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا } مما قدره ، وحسبه ، وظنه ، ولا من غيره . والمعنى أن الكفار يعولون على أعمالهم ، التي يظنونها من الخير ، ويطمعون في ثوابها ، فإذا قدموا على الله سبحانه ، لم يجدوا منها شيئا ، لأن الكفر أحبطها ، ومحا أثرها .
عن ابن عباس قال : هو مثل ضربه الله ، كرجل عطش ، فاشتد عطشه ، فرأى سرابا ، فحسبه ماء ، فطلبه ، فظن أنه قدر عليه ، حتى أتى ، فلما أتاه ، لم يجده شيئا ، وقبض عند ذلك ، يقول الكافر كذلك ، إذا أتاه الموت ، لم يجد عمله ، يغني عنه شيئا ، ولا ينفعه ، إلا كما نفع السراب العطشان .
{ وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ } بالمرصاد ، وقيل وجد وعد الله بالجزاء ، على عمله . وقيل وجد أمر الله عند حشره ، وقيل حكمه ، وقضاءه ، عند المجيء . وقيل قدم على الله . وقيل عند العمل ، والمعنى متقارب { فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ } أي أعطاه ، وافيا ، كاملا ، حساب عمله المذكور ، وجزاءه . فإن اعتقاده لنفعه بغير إيمان ، وعمله بموجبه ، كفر على كفر ، موجب للعقاب قطعا . وإفراد الضميرين الراجعين إلى الذين كفروا ، إما لإرادة الجنس ، كالظمآن الواقع في التمثيل ، وإما للحمل على كل واحد منهم ، وكذا إفراد ما يرجع إلى أعمالهم .
{ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } لعباده من آمن منهم ، ومن كفر . عن السدي ، عن أبيه ، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الكفار يبعثون يوم القيامة وردا عطاشا ، فيقولون أين الماء ؟ فيمثل لهم السراب ، فيحسبونه ماء ، فينطلقون إليه فيجدون الله عنده ، فيوفيهم حسابهم ، والله سريع الحساب . أخرجه ابن أبي حاتم ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر . وفي إسناده السدي عن أبيه ، وفيه مقال . معروف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.