الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (134)

قوله تعالى : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ } : يجوزُ في محلِّه الألقابُ الثلاثةُ ، فالجَرُّ على النعتِ أو البدلِ أو البيانِ ، والنصبُ والرفعُ على القطعِ المُشْعِر بالمدح .

قوله : { وَالْكَاظِمِينَ } يجوزُ فيه الجَرُّ والنصبُ على ما تقدَّم فيما قبله . والكَظْمُ : الحَبْسُ . كَظَمَ غيظَه أي : حَبَسَه وكَظَم القِرْبة والسِّقاء : إذا شَدَّ فَمَوَيْهِما مانعاً من خروجِ ما فيهما ، ومنه : الكِظامُ لِسَيْرٍ تُشَدُّ به القِرْبَةُ والسِّقاء كذلكَ . والكَظْمُ في الأصلِ : مَخْرَجُ النفس ، يُقال : أخَذَ بَكَظْمِه أي : مَخْرَج نَفَسه . الكُظُوم : احتباسُ النَّفَس ، ويُعَبَّر به عن السكون كقولهم : " فلان لا يتنفَّس " . والمَكْظُوم : الممتلِىءُ غيظاً وكأنه لغيظه لا يستطيع أن يتكلَّمَ ولا يُخْرِجَ نَفَسه ، والكَظِيمُ : الممتلِىءُ أَسَفاً ، قال أبو طالب :

فَحَضَضْتُ قومي واحتَسَبْتُ قتالَهم *** والقومُ من خوفِ المَنايا كُظَّمُ

وكَظَم البعيرُ : إذا ترك الاجترارَ من ذلك ، ومنه قولُ الراعي :

وأفَضْنَ بعدَ كُظومِهِنَّ بِجِرَّةٍ *** مِنْ ذي الأباطِحِ إذ رَعَيْنَ حَقِيلا

والحقيل : نبت ، وقيل : موضع ، فعلى الأول هو مفعولٌ به وعلى الثاني هو ظرف ، ويكون قد شَذَّ عدمُ جرِّه ب " في " لأنه ظرفُ مكانٍ مختصٌّ ، ويكون المفعولُ محذوفاً أي : إذ رَعَيْنَ الكَلأ في حَقيلٍ ، ولا تَقْطَعُ الإِبلُ جِرَّتَها إلا عند الفزعِ ، ومنه قولُ أعشى باهلة يصفُ رجلاً يُكْثِر نَحْرَ الإِبل :

قد تَكْظِمُ البُزْلُ منه حين تُبْصِرُه *** حتى تَقَطَّع في أَجْوافِها الجِرَرُ

والجِرَرُ جمعُ جِرَّة . الكِظامَةُ : حَلْقَةٌ من حديدٍ تكونُ في طرف الميزان تُجْمَعُ فيها خيوطه ، وهي أيضاً السَّيْر الذي يُوصل بوتَرِ القوس ، والكَظَائِمُ : خُروقٌ بين اليدين يَجْري منها الماءُ إلى الأخرى ، كلُّ ذلك تشبيهاً بمَجْرى النفس .