الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

قوله : { أَن تَقُومُواْ } : فيه أوجهٌ ، أحدها : أنها مجرورةُ المحلِّ بدلاً مِنْ " واحدة " على سبيلِ البيان . قاله الفارسيُّ . الثاني : أنها عطفُ بيانٍ ل " واحدة " / قاله الزمخشريُّ . وهو مردودٌ لتخالُفِهِما تعريفاً وتنكيراً . وقد تقدَّم هذا عند قولِه : { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } [ آل عمران : 97 ] . الثالث : أنها منصوبةٌ بإضمارِ أعني . الرابع : أنها مرفوعةٌ على خبر ابتداءٍ مضمرٍ أي : هي أَنْ تقومُوا . ومَثْنى وفُرادى : حال . ومضى تحقيقُ القولِ في " مَثْنى " وبابِه في سورة النساء ، وتقدَّم القولُ في " فُرادى " في سورةِ الأنعام .

قوله : " ثم تتفَكَّروا " عَطْفٌ على " أَنْ تَقُوموا " أي : قيامِكم ثم تَفَكُّرِكم .

والوقفُ عند أبي حاتم على هذه الآية ، ثم يَبْتَدِئُ " ما بصاحبِكم " . وفي " ما " هذه قولان ، أحدُهما : أنها نافيةٌ . والثاني : أنها استفهاميةٌ ، لكن لا يُراد به حقيقةُ الاستفهامِ ، فيعودُ إلى النفي . وإذا كانت نافيةً فهل هي مَعَلِّقَةٌ ، أو مستأنفةٌ ، أو جوابُ القسمِ الذي تضمَّنه معنى " تَتَفَكَّروا " لأنه فعلُ تحقيقٍ كتبيَّن وبابِه ؟ ثلاثةُ أوجه . نقل الثالثَ ابنُ عطية ، وربما نَسَبه لسيبويه . وإذا كانَتْ استفهاميةً جاز فيها الوجهان الأوَّلان ، دونَ الثالث . و " مِنْ جِنَّةٍ " يجوزُ أَنْ يكونَ فاعلاً بالجارِّ لاعتمادِه ، وأَنْ يكونَ مبتدأً . ويجوز في " ما " إذا كانَتْ نافيةً أَنْ تكونَ الحجازيَّةَ ، أو التميميَّةَ .