الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (29)

قوله تعالى : { إِلاَّ أَن تَكُونَ } : في هذا الاستثناء قولان ، أحدهما : وهو الأصح أنه استثناء منقطع لوجهين ، أحدهما : أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها ، سواء فَسَّرت الباطل بغير عوض أو بغير طريق شرعي . والثاني : أن المستثنى كون ، والكونُ ليس مالاً من الأموالِ . والثاني : أنه متصلٌ ، واعتلَّ صاحب هذا القول بأن المعنى : لا تأكلوها بسببٍ إلاَّ أَنْ تكونَ تجارةً . قال أبو البقاء : " وهو ضعيف ، لأنه قال : " بالباطل " ، والتجارةُ ليست من جنس الباطل ، وفي الكلام حذفُ مضاف تقديره : إلا في حال كونِها تجارةً أو في وقت كونِها تجارةً " . انتهى . ف " أن تكون " في محلِّ نصبٍ على الاستثناء وقد تقدَّم لك تحقيقُ ذلك .

وقرأ الكوفيون : " تجارةً " نصباً على أنَّ " كان " ناقصة ، واسمُها مستتر فيها يعود على الأموالِ ، ولا بد من حذف مضاف من " تجارة " تقديره : إلا أن تكونَ الأموال أموالَ تجارة ، ويجوز أن يُفَسَّر الضمير بالتجارة بعدها أيَ : أن تكون التجارةُ تجارةً كقوله :

1576 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** إذا كان يوماً ذا كواكبَ أَشْنعا

أي : إذا كان اليومُ يوماً ، واختار أبو عبيد قراءة الكوفيين . وقرأ الباقون " تجارةٌ " رفعاً على أنها " كان " التامة . قال مكي : " الأكثرُ في كلام العرب أنَّ قولهم : { إِلاَّ أَن تَكُونَ } في الاستثناء بغيرِ ضمير فيها ، على معنى يَحْدُث ويَقَعُ " . وقد تقدم القول في ذلك في البقرة .

و { عَن تَرَاضٍ } متعلق بمحذوفٍ لأنه صفةٌ ل " تجارة " ، فموضعه رفع أو نصب على حَسَبِ القراءتين . وأصل " تراض " " تراضِوٌ " بالواو ، لأنه مصدر تراضى تفاعلَ من رَضِي ، ورَضِي من ذوات الواو بدليل الرُّضوان ، وإنما تطرَّفت الواو بعد كسرة فقلبت ياء فقلت : تراضياً . و " منكم " صفة ل " تراضٍ " فهو في محل جر ، و " من " لابتداء الغاية . وقرأ علي رضي الله عنه : " تُقَتِّلوا " بالتشديد على التكثير ، والمعنى : لا يقتلْ بعضكم بعضاً .