الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

و { ما } في قوله تعالى : { مَا فَضَّلَ اللَّهُ } : موصولةٌ أو نكرة موصوفة ، والعائدُ الهاءُ في " به " . و " بعضَكم " مفعول ب " فَضَّل " و " على بعض " متعلق به .

قوله : { وَاسْأَلُواْ } : الجمهورُ على إثباتِ الهمزة في الأمر من السؤال الموجَّه نحو المخاطب إذا تقدَّمه واو أو فاء نحو : { فَاسْأَلِ الَّذِينَ }

[ يونس : 94 ] { وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 32 ] . وابن كثير والكسائي بنَقْل حركةِ الهمزة إلى السين تخفيفاً لكثرةِ استعماله . فإنْ لم تتقدَّمه واو ولا فاء فالكل على النقل نحو : { سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ }

[ البقرة : 211 ] ، وإن كان لغائب فالكل على الهمز نحو : { وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } [ الممتحنة : 10 ] . ووهم ابن عطية فنقل اتفاقَ القراء على الهمز في نحو : { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ } [ الممتحنة : 10 ] وليس اتفاقهم في هذا بل في { وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } كما تقدم . وتخفيفُ الهمز لغة الحجاز ، ويحتمل أن يكون ذلك من لغةِ مَنْ يقول : " سال يسال " بألفٍ محضة ، وقد تقدم تحقيق ذلك في البقرة عند " سَلْ بني إسرائيل " فعليك بالالتفات إليه ، وهذا إنما يتأتَّى في " سل " و " فسل " وأما " وسَلوا " فلا يتأتَّى فيه ذلك ؛ لأنه كان ينبغي أن يُقال : سالوا كخَافوا ، وقد يقال : إنه التزَم الحذفَ لكثرةِ الدَّوْر .

وهو يتعدَّى لاثنين ، والجلالةَ مفعول أول ، وفي الثاني قولان ، أحدهما : أنه محذوف فقدَّره ابن عطية : " أمانيَّكم " ، وقدره غيره : شيئاً من فضله ، فحذف الموصوف وأبقى صفته نحو : " أطعمته من اللحم " أي : شيئاً منه ، و " مِنْ " تبعيضية . والثاني : أن " مِنْ " زائدة ، والتقدير : { وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ } ، وهذا إنما يتمشَّى على رأي الأخفش لفقدانِ الشرطين ، وهما تنكيرُ المجرور وكونُ الكلام غيرَ موجَبٍ .