الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

والتحية في الأصل : المُلْك . قال :

أَؤمُّ بها أبا قابوسَ حتى *** أُنيخَ على تَحِيَّته بجُندي

وقال آخر :

ولكل ما نال الفتى *** قد نلتُه إلا التحِيَّهْ

ويقال : التحية : البقاء والمُلْك ، ومنه : " التحيات لله " ثم استُعملت في السلام مجازاً ، ووزنها تَفْعِلة ، والأصل : تَحْيِيَة فأدغمت ، وهذا الإِدغامُ واجبٌ خلافاً للمازني ، وأصل الأصل تَحْيِيٌّ ، لأنه مصدر حَيّا ، وحَيّا : فَعَّل ، وفَعَّل مصدرُه على التفعيل ، إلا أن يكون معتلَ اللام نحو : زكَّى وغَطَّى [ فإنه تحذف إحدى الياءين ] ويعوض منها تاء التأنيث فيقال : تزكية وتغطية ، إلا ما شَذَّ من قوله :

باتَتْ تُنَزِّي دلوَها تَنْزِيَّاً *** كما تُنَزِّي شَهْلَةٌ صبيَّاً

إلا أن هذا الشذوذَ لا يجوزُ مثلُه في نحو " حَيّا " لاعتلالِ عينه ولامه بالياء ، وألحق بعضُم ما لامُه همزةٌ بالمعتلِّها نحو : " نَبّأ تنبئة " و " خَبّأ تخبئة " . ومثلُها : أَعْيِيَة وأَعِيَّة ، جمع عَيِيٌّ . وقال الراغب : " وأصلُ التحيَّة من الحَياة ، ثم جُعِل كلُّ دعاءٍ تحيةً لكون جميعِه غيرَ خارجٍ عن حصولِ الحياةِ أو سببِ الحياة . وأصل التحية أن تقول : " حَيَّاك الله " ثم استُعْمِل في عُرْفِ الشرعِ في دعاء مخصوصٍ .

وقوله تعالى : { أَوْ رُدُّوهَآ } أي : رُدُّوا مثلَها ؛ لأنَّ ردَّ عينها مُحالٌ ، فحُذِفَ المضافُ نحو : { وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] وأصلُ " حَيُّوا " حَيِّيُوا ، فاستُثْقِلت الضمةُ على الياءِ ، فَحُذِفت الضمةُ فالتقى ساكنان : الياءُ والواوُ فحُذِفت الياءُ وضُمَّ ما قبل الواو . وقوله " بأحسنَ " اي : بتحيةٍ أحسنَ من تلك التحيةِ الأولى .