الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (37)

قوله تعالى : { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ } : قد تقدَّم الخلافُ فيه في آل عمران . وقوله : " ويَجْعل " : يحتمل أن تكون تصييريةً فتنصبَ مفعولين ، وأن تكونَ بمعنى الإِلقاء فتتعدَّى لواحد ، وعلى كلا التقديرين ف " بعضه " بدلُ بعضٍ من كل ، وعلى القول الأول يكون " على بعض " في موضع المفعول الثاني ، وعلى الثاني يكون متعلقاً بنفس الجَعْل نحو قولك : " ألقيْتَ متاعك بعضَه على بعض " . وقال أبو البقاء بعد أن حكم عليها بأنها تتعدَّى لواحد : " وقيل : الجار والمجرور حالٌ تقديرُه : ويجعل الخبيث بعضه عالياً على بعض " .

واللام في " ليميز " متعلقة بيُحْشَرون . ويقال : مَيَّزته فتميَّزَ ، ومِزْتُه فانماز . وقرئ شاذاً

{ وَانمَازُواْ الْيَوْمَ } [ يس : 59 ] ، وأنشد أبو زيد :

لمَّا نبا اللهُ عني شرَّ غَدْرتِه *** وانْمِزْتُ لا مُنْسِئاً غَدْراً ولا وَجِلا

وقد تقدَّم الفرق بين هذه الألفاظ في آل عمران .

قوله : { فَيَرْكُمَهُ } نسقٌ على المنصوب قبله . والرَّكْمُ : جَمْعُك الشيءَ فوق الشيء حتى يَصير رُكاماً ومَرْكوماً ، كما يُركم الرمل والسحاب ، ومنه

{ يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [ الطور : 44 ] . والمُرْتَكم : جادَّة الطريق للرَّكْم الذي فيه ، أي : ازدحام السَّابلة وآثارهم . و " جميعاً " حال . ويجوز أن يكونَ توكيداً عند بعضهم .