تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (37)

وقوله تعالى : ( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ ) جعل الله تعالى الخبيث مختلطا بالطيب في الدنيا في سمعهم وبصرهم ونطقهم وجميع جوارحهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وجميع منافعهم من الغنى و الفقر وأنواع المنافع جعل بعضهم ببعض مختلطين[ من م ، في الأصل : مختلفين ] في الدنيا على ما ذكرنا .

لكنه ميز بين الطيب و الخبيث في الآخرة بأعلام ؛ يعرف بتلك الأعلام الخبيث من الطيب من نحو ما ذكر في الطيب قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناظرة ) ( إلى ربها ناظرة )[ القيامة : 22-23 ] وقوله[ في الأصل وم : و ] تعالى : ( وجوه يومئذ مسفرة ) ( ضاحكة مستبشرة )[ عبس38و39 ] . وقال تعالى في الكفرة[ في الأصل وم : الكافر ] ( وجوه يومئذ عليها غبرة ) ( ترهقها قترة )[ عبس : 40و41 ] وقال : ( ونحشر المجرمين يومئذ زرقا )[ طه : 102 ] وقال[ في الأصل وم : وقوله ] : ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما )[ الإسراء : 97 ] وقال : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )الآية[ طه : 124 ] وغير ذلك من الآيات .

ميز الله تعالى بين الخبيث و الطيب بالأعلام[ في الأصل وم : بأعلام ] التي ذكرنا في سمعهم وبصرهم ووجوههم ولباسهم ومأكلهم ومشربهم حتى يعرفوا جميعا بالأعلام .

ويحتمل ما ذكر من التمييز بين الخبيث والطيب بالمباهلة التي جرت بين أبي جهل وبين النبي صلى الله عليه وسلم حين[ في الأصل وم : حيث ] قال أبو جهل : انصر أهدانا سبيلا وأبرنا قسما وأوصل رحما . فأجيب ، فنصر الله رسوله وأصحابه ، فميز . ويحتمل ما ذكر م التمييز في الآخرة قوله[ في الأصل وم : كقوله ] تعالى : ( فريق في الجنة وفريق في السعير )[ الشورى : 7 ] .

وقوله تعالى : ( وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً ) هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يجعلهم دركات بعضها أسفل من بعض كقوله تعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار )[ النساء : 145 ] .

والثاني[ في الأصل وم : و ] : يحتمل أن يجعل بعضهم على بعض ( مقرنين في الأصفاد )[ إبراهيم : 49 وص : 38 ] .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( فيركمه جميعا ) قيل : يجمعه جميعا ، بعضهم على بعض . ويحتمل ( فيركمه جميعا ) إخبار عن الضيق كقوله تعالى : ( وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين )[ الفرقان : 13 ] .

وقال القتبي : ( فيركمه جميعا ) أي يجعله ركاما ، بعضه[ في الأصل وم : بعضها ] فوق بعض ، وكذلك قال أبو عوسجة ؛ يقال : ركمت المتاع إذا جعلت بعضه فوق بعض .

وقوله تعالى : ( فيجعله في جهنم ) الجهنم هو المكان الذي يجمع أهل النار للتعذيب .