الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (53)

قوله تعالى : { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } : مصدران في موضع الحال ، أي : طائعين أو كارهين . وقرأ الأخوان " كُرْهاً " بالضم وقد تقدم تحقيق ذلك في النساء .

وقال الشيخ هنا : " قرأ الأعمش وابن وثاب " كُرْهاً " بضم الكاف " . وهذا يُوهم أنها لم تُقْرأ في السبعة . قال الزمخشري " هو أمرٌ في معنى الخبر كقوله : { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً } [ مريم : 75 ] ومعناه : لن يُتقبَّل منكم : أنفقتم طَوْعاً أو كرهاً ، ونحوه قوله تعالى : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] . وقوله يعني كثيِّر عَزَّة :

2499 أسِيْئي بنا أو أَحْسِني لا مَلُومَةٌ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي : لن يغفر الله لهم استغفرت أو لم تستغفر ، ولا نلومك أحسنتِ إلينا أو أَسَأْتِ ، وفي معناه قول القائل :

2500 أخوك الذي إنْ قُمْتَ بالسيفِ عامداً *** لتضربَهُ لم يَسْتَغِشَّك في الودِّ

وقال ابن عطية : " هذا أمرٌ في ضمنه جزاءٌ ، وهذا مستمر في كل أمرٍ معه جزاء والتقدير : إن تنفقوا لن يُتقبَّل منكم ، وأما إذا عَرِي الأمرُ من الجواب فليس يصحبه تضمُّنُ الشرط " قال الشيخ : " ويَقْدح في هذا التخريجِ أنَّ الأمر إذا كان فيه معنى الشرط كان الجواب لجواب الشرط ، فعلى هذا يقتضي أن يكون التركيب : " لن يُتقبل " بالفاء لأنَّ " لن " لا تقع جواباً للشرط إلا بالفاء فكذلك ما ضُمِّن معناه ، ألا ترى جزمَه الجوابَ في نحو : اقصد زيداً يُحْسِنْ إليك " . قلت : إنما أراد أبو محمد تفسير المعنى ، وإلا فلا يَجْهَلُ مثل هذه الواضحات . وأيضاً فلا يلزمُ لأن يُعْطى الأمرُ التقديري حكمَ الشيء الظاهر من كل وجه .

وقوله : { إِنَّكُمْ } وما بعد جارٍ مَجْرى التعليل .