الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (49)

قوله تعالى : { مَّن يَقُولُ ائْذَن } : كقوله { يَاصَالِحُ ائْتِنَا } [ الأعراف : 77 ] من أنه يجوز تحقيقُ الهمزة وإبدالُها واواً لضمة ما قبلها ، وإن كانت منفصلةُ من كلمةٍ أخرى . / وهذه الهمزةُ هي فاءُ الكلمة ، وقد كان قبلها همزةُ وصل سَقَطت دَرْجاً . قال أبو جعفر . " إذا دخلت الواو والفاء على " ائذن " فهجاؤها ألفٌ وذال ونون بغير ياء ، أو " ثم " فالهجاءُ ألفٌ وياءٌ وذالٌ ونون . والفرقُ أنَّ " ثم " يوقف عليها ويُنْفَصَل بخلافهما " . قلت : يعني أنه إذا دخلت واوُ العطف أو فاؤه على هذه اللفظةِ اشتدَّ اتصالُهما بها فلم يُعْتَدَّ بهمزة الوصل المحذوفة دَرْجاً ، فلم يُرْسَمْ لها صورةٌ فتكتب " فَأْذَنْ ، وَأْذَنْ " ، فهذه الألفُ مِنْ صورةِ الهمزة التي هي فاءُ الكلمة . وإذا دخلت عليها " ثم " كُتِبَتْ كذا : { ثُمَّ ائْتُواْ } ، فاعتدُّوا بهمزة الوصل فرسموا لها صورة . قلت : وكأنَّ هذا الحكمَ الذي ذَكره مع " ثم " يختصُّ بهذه اللفظة ، وإلا فغيرُها مما فاؤُه همزةٌ تسقط صورة همزة وصلِه خَطَّاً فيُكتب الأمرُ من الإِتيان مع " ثم " هكذا : " ثم أْتُوا " وكان القياسُ على " ثمَّ ائْذَنْ " : " ثم ائتوا " وفيه نظر .

وقرأ عيسى بن عمر وابن السَّمَيْفع وإسماعيل المكي فيما روى عنه ابن مجاهد : " ولا تُفْتِينِّي " بضم حرف المضارعة مِنْ أفتنه رباعياً . قال أبو حاتم : " هي لغة تميم " . وقيل : أفتنه : أدخله فيها . وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال :

2494 لئن فَتَنَتْني فهي بالأمس أفتنتْ *** سعيداً فأمسى قد قلا كلَّ مسلم

ومتعلق الإِذن القعود ، أي : ائذن لي في القعود والخُلْف عن العدو ولا تَفْتِنِّي بخروجي معك .