غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (53)

50

ثم ذكر أنهم إن أتوا بشيء من صورة البر لم يكن له قدر عند الله ولا ينتفعون به في الآخرة ، والغرض أن أسباب الذل والهوان مجتمعة عليهم في الدنيا والأخرى . عن ابن عباس نزلت في الجد بن قيس حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ائذن لي في القعود وهذا مالي أعينك به . ولا يبعد أن يكون السبب خاصاً والحكم عاماً . و{ أنفقوا } لفظه أمر ومعناه خبر كقوله فيما يجيء { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } [ التوبة : 80 ] ومعناه أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم واستغفر لهم ، أو لا تستغفر لهم وانظر هل ترى اختلافاً بين حال الاستغفار وتركه ؟ ومثله قول كثير لعزة :

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة *** . . .

كأنه يقول : امتحني لطف محلك عندي وعامليني بالإساءة والإحسان وانظري هل تجدين مني تفاوتاً في الحالين . وإنما يجوز إقامة الخبر والطلب أحدهما مقام الآخر إذا دل الكلام عليه فيعدل عن الأصل لإفادة المبالغة . وانتصب { طوعاً أو كرهاً } على الحال ومعناه طائعين من غير إلزام من الله ورسوله أو ملزمين من جهتهما . وسمي الإلزام كراهاً لأنهم منافقون فكان إلزام الله إياهم الإنفاق شاقاً عليهم كالإكراه . ويحتمل أن يراد طائعين من غير إكراه من رؤسائكم أو ملزمين من جهتهم ، وذلك أن رؤساء أهل النفاق كانوا يحملونهم على الإنفاق إذا رأوا فيه مصلحة . ومعنى { لن يتقبل منكم } أن الرسول لا يقبله منكم ، أو أنه لا يقع قبولاً عند الله . ثم علل عدم القبول بقوله { إنكم كنتم قوماً فاسقين } قال الجبائي : فيه دليل على أن الفسق يحبط الطاعات . وأجيب بأن الفسق هاهنا بمعنى الكفر ولا يلزم منه كون الفسق المطلق كذلك . وإنما قلنا إن الفسق بمعنى الكفر لقوله سبحانه { وما منعهم أن تقبل منهم } .

/خ59