الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (53)

قوله : { قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم } ، إلى قوله : { وهم كافرون } ، [ 53-55 ] .

والمعنى : { قل } يا محمد ، لهؤلاء المنافقين : أنفقوا أموالكم كيف شئتم ، طائعين أو كارهين ، فإنها لا تقبل منكم ، إذ أنتم في شك من/دينكم ، خارجون عن الإيمان بذلك{[28939]} .

وخرج قوله : { أنفقوا } ، مخرج الأمر ، ومعناه الخبر{[28940]} ، وإنما تفعل العرب ذلك في الموضع الذي يحسن فيه " إن " التي للجزاء [ و ]{[28941]} منه قوله تعالى : { استغفر لهم أولا تستغفر لهم }{[28942]} ، لفظه لفظ{[28943]} الأمر ، ومعناه الجزاء ، والجزاء خبر ، ومنه قول كثير{[28944]} :

أسيئ بنا أو حسني ، لا ملومة *** لدينا ، ولا مقلية إن تقلت{[28945]}

فالمعنى : إن تنفقوا طائعين أو كارهين فلن يقبل منكم{[28946]} .

وجاز أن يقع لفظ الأمر بمعنى الخبر ، كما جاز أن يقع لفظ الخبر بمعنى الطلب والأمر ، تقول : " غفر الله لزيد " معناه : الطلب والدعاء ، ولفظه لفظ الخبر ، والمعنى : " اللهم اغفر لزيد " {[28947]} .

وهذه الآية نزلت في الجد بن قيس ، لأنه لما عرض النبي عليه السلام [ عليه ]{[28948]} الخروج ، سأل المقام ، واعتذر بأنه لا يصبر إذا رأى النساء ، وأنه يفتتن ، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم : هذا مالي أعينك به{[28949]} .


[28939]:جامع البيان 14/293، بتصرف.
[28940]:كذا في المخطوطتين. وفي جامع البيان 14/293: "ومعناه الجزاء". وقال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان 14/291: "في المطبوعة في الموضعين: "معناه الخبر"، وهو خطأ، والصواب من المخطوطة...". وصوابه أيضا في معاني القرآن للفراء 1/441، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/453، وإعراب القرآن للنحاس 2/220، وتفسير القرطبي 8/103. وقال الزمخشري في الكشاف 2/266: "....هو أمر في معنى الخبر...." وكذلك قال الرازي 8/90. انظر: البحر المحيط 5/54، والدر المصون 3/472، 473.
[28941]:زيادة من "ر".
[28942]:براءة 81.
[28943]:في "ر": "لفظه لفظ الجزاء والأمر".
[28944]:ديوانه 54، ومعاني القرآن للفراء 1/441، من غير نسبة، وجامع البيان 14/293، من غير نسبة، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/453، وإعراب القرآن للنحاس 2/220، من غير نسبة، والكشاف 2/266، من غير نسبة، وزاد المسير 3/451، وتفسير الرازي 8/91، وتفسير القرطبي 8/103، من غير نسبة، والبحر المحيط 5/54، من غير نسبة، والدر المصون 3/372، من غير نسبة. انظر: معجم شواهد العربية 1/72.
[28945]:والمعنى: إن أسأت أو أحسنت فنحن لك ما تعرفين. إعراب القرآن للنحاس 2/220. فهو "لم يأمرها بالإساءة، ولكن أعلمها أنها إن أساءت أو أحسنت فهو على عهدها"، كما في معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/453.
[28946]:إعراب القرآن للنحاس 2/220.
[28947]:انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/453.
[28948]:زيادة من "ر".
[28949]:أورده الطبري في جامع البيان 14/294، والبغوي في التفسير 4/58، وابن عطية في المحرر 3/44، وابن الجوزي في الزاد 3/451، والقرطبي في التفسير 8/103، والسيوطي في لباب النقول 205، 206.