قوله : { وَالْعَادِيَاتِ } : جمعُ " عادِيَة " وهي الجاريَةُ بسُرعةٍ ، من العَدْوِ ، وهو المَشْيُ بسُرْعةٍ . والياءُ عن واوٍ لكَسْرِ ما قبلها نحو : الغازِيات من الغَزْوِ . يُقال : عَدا يَعْدُوا عَدْواً ، فهو عادٍ وهي عادِيَةٌ ، وقد تقدَّمَ هذا في المؤمنين .
قوله : { ضَبْحاً } فيه أوجهٌ : أحدُها : أنه مصدرٌ مؤكِّدٌ لاسمِ الفاعلِ ؛ فإنَّ الضَّبْحَ نوعٌ من السيرِ والعَدْوِ كالضَّبْع . يقال : ضَبَحَ الفَرَسُ وضَبَعَ ، إذا عدا بشدةٍ ، أَخْذاً مِن الضَّبْع ، وهو الذِّرَاع ؛ لأنه يَمُدُّه عند العَدْوِ ، وكأنَّ الحاءَ بدلٌ من العين . وإلى هذا ذهب أبو عبيدةَ والمبردُ ، قالا : الضَّبْحُ مِنْ إضباعِها في السَّيْرِ . وقال عنترةُ :
والخيلُ تعلَمُ حين تَضْ *** بَحُ في حِياضِ المَوْتِ ضَبْحاً
الثاني : أنه مصدرٌ في موضعِ الحالِ ، أي : ضابحاتٍ ، أو ذوي ضَبْح . والضَّبْحُ : صوتٌ يُسْمَعُ مِنْ صدورِ الخيلِ عند العَدْوِ ، ليس بصَهيلٍ . وعن ابن عباس أنه حكاه فقال : أحْ أحْ . ونُقل عنه : أنه لم يَضْبَحْ من الحيوان غيرُ الخيلِ والكَلْبِ والثعلبِ . وهذا يَنْبغي أَنْ لا يَصِحَّ عنه ، فإنه رُوي أنه قال : سُئِلْتُ عنها ففَسَّرْتُها بالخيل . وكان عليٌّ رضي الله عنه تحت سِقايةِ زمزم فسأله ، وذَكَر له ما قلتُ ، فدعاني فلمَّا وقفْتُ على رأسِه قال : " تُفْتي الناسَ بغيرِ علمٍ ، إنَّها لأولُ غزوةٍ في الإِسلام وهي بدرٌ ، ولم يكنْ معنا إلاَّ فَرَسان : فرسٌ للمِقْداد ، وفرسٌ للزُّبَيْر ، { والعادياتِ ضَبحْاً } الإِبلُ مِنْ عرفَةَ إلى المزدلفةِ ، ومن المزدلفةِ إلى مِنى " ، إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ قال بعد ذلك : " فإنْ صَحَّتِ الروايةُ فقد اسْتُعير الضَّبْحُ للإِبِل ، كما اسْتُعير المَشافِرُ والحافِرُ للإِنسان ، والشَّفتان للمُهْر " ، ونَقَل غيرُه أن الضَّبْحَ يكونُ في الإِبلِ والأسْوَدِ من الحَيَّاتِ والبُومِ والصَّدَى والأرنبِ والثعلبِ والقوسِ . وأنشد أبو حنيفةَ في صفةِ قَوْس :
حَنَّانَةٌ مِنْ نَشَمٍ أو تالبِ *** تَضْبَحُ في الكَفِّ ضُباحَ الثعلبِ
وعندي أنَّ هذا مِن الاستعارةِ . ونَقَلَ أهلُ اللغةِ أنَّ أصلَ الضَّبْحِ في الثعلبِ فاسْتُعير للخيلِ ، وهو مِنْ ضَبَحَتْه النارُ : أي غَيَّرت لونَه ولم تُبالغْ فيه . والضَّبْحُ لونٌ يُغَيِّرُ إلى السواد قليلاً .
الثالث : من الأوجه : أَنْ يكونَ منصوباً بفعلٍ مقدرٍ ، أي : تَضْبَحُ ضَبْحاً . وهذا الفعلُ حالٌ من " العاديات " .
الرابع : أنَّه منصوبٌ بالعادِيات ، وإنْ كان المرادُ به الصوتَ . قال الزمخشري : " كأنَّه قيل : والضَّابحاتِ ؛ لأنَّ الضَّبْحَ يكون مع العَدْوِ " . قال الشيخ : " وإذا كان الضَّبْحُ مع العَدْوِ فلا يكون معنى " والعادياتِ " : والضَّابحاتِ فلا ينبغي أن يُفَسَّرَ به " . قلت : لم يَقُلْ الزمشخريُّ أنه بمعناه ، وإنما جعله منصوباً به ؛ لأنه لازمٌ له لا يُفارِقُه ، فكأنَّه ملفوظٌ به . وقوله : " كأنه قيل " تفسيرٌ للتلازُمِ ، لا أنه هو هو .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.