البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة قريش

هذه السورة مكية في قول الجمهور ، مدنية في قول الضحاك وابن السائب . ومناسبتها لما قبلها ظاهرة ، ولا سيما أن جعلت اللام متعلقة بنفس فجعلهم ، وهو قول الأخفش ، أو بإضمار فعلنا ذلك

قريش : علم اسم قبيلة ، وهم بنو النضر بن كنانة ، فمن كان من بني النضر فهو من قريش دون بني كنانة . وقيل : هم بنو فهر بن مالك بن النضر ، فمن لم يلده فهر فليس بقرشي . قال القرطبي : والقول الأول أصح وأثبت ، وسموا بذلك لتجمعهم بعد التفرق ، والتقريش : التجمع والالئتام ، ومنه قول الشاعر :

إخوة قرشوا الذنوب علينا *** في حديث من دهرهم وقديم

كانوا متفرقين في غير الحرم ، فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوه مسكناً ، ومنه قوله :

أبونا قصي كان يدعى مجمعا *** به جمع الله القبائل من فهر

وقال الفراء : التقرش : التكسب ، وقد قرش يقرش قرشاً ، إذا كسب وجمع ، ومنه سميت قريش . وقيل : كانوا يفتشون على ذي الخلة من الحاج ليسدوها ، والقرش : التفتيش ، ومنه قول الشاعر :

أيها الناطق المقرش عنا *** عند عمرو وهل لذاك بقاء

وسأل معاوية بن عباس : بم سميت قريش قريشاً ؟ فقال : بدابة في البحر أقوى دوابه يقال لها القرش ، تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، ومنه قول تبع :

وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تترك فيها لذي جناحين ريشا هكذا في البلاد حيّ قريش يأكلون البلاد أكلاً كميشا ولهم آخر الزمان نبي

وفي الكشاف : دابة تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار . فإن كان قريش من مزيد فيه فهو تصغير ترخيم ، وإن كان من ثلاثي مجرد فهو تصغير على أصل التصغير .

وقرأ الجمهور : { لإيلاف قريش } ، مصدر آلف رباعياً ؛ وابن عامر : لالاف على وزن فعال ، مصدر ألف ثلاثياً .

يقال : ألف الرجل الأمر إلفاً وإلافاً ، وآلفه غيره إياه إيلافاً ، وقد يأتي ألف متعدياً لواحد كإلف ، قال الشاعر :

من المؤلفات الرمل أدماء حرة *** شعاع الضحى في متنها يتوضح

ولم يختلف القراء السبعة في قراءة إيلافهم مصدراً للرباعي .

وروي عن أبي بكر ، عن عاصم أنه قرأ بهمزتين ، فيهما الثانية ساكنة ، وهذا شاذ ، وإن كان الأصل أبدلوا الهمزة التي هي فاء الكلمة لثقل اجتماع همزتين ، ولم يبدلوا في نحو يؤلف على جهة اللزوم لزوال الاستثقال بحذف الهمزة فيه ، وهذا المروي عن عاصم هو من طريق الشمني عن الأعشى عن أبي بكر .

وروى محمد بن داود النقار عن عاصم : إإيلافهم بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ناشئة عن حركة الهمزة الثانية لما أشبع كسرتها ، والصحيح رجوع عاصم عن الهمزة الثانية ، وأنه قرأ كالجماعة .

وقرأ أبو جعفر فيما حكى الزمخشري : لإلف قريش ؛ وقرأ فيما حكى ابن عطية الفهم .

قال الشاعر :

زعمتم أن إخوتكم قريشاً *** لهم إلف وليس لكم إلاف

جمع بين مصدري ألف الثلاثي .

وعن أبي جعفر وابن عامر : إلا فهم على وزن فعال .

وعن أبي جعفر وابن كثير : إلفهم على وزن فعل ، وبذلك قرأ عكرمة .

وعن أبي جعفر أيضاً : ليلاف بياء ساكنة بعد اللام اتبع ، لما أبدل الثانية ياء حذف الأولى حذفاً على غير قياس .

وعن عكرمة : ليألف قريش ؛ وعنه أيضاً : لتألف قريش على الأمر ، وعنه وعن هلال بن فتيان : بفتح لام الأمر ، وأجمعوا هنا على صرف قريش ، راعوا فيه معنى الحي ، ويجوز منع صرفه ملحوظاً فيه معنى القبيلة للتأنيث والعلمية .

قال الشاعر :

وكفى قريش المعضلات وسادها . . .

جعله اسماً للقبيلة سيبويه في نحو معد وقريش وثقيف ، وكينونة هذه للإحياء أكثر ، وإن جعلتها اسماً للقبائل فجائز حسن .