العمد : اسم جمع ، ومن أطلق عليه جمعاً فلكونه يفهم منه ما يفهم من الجمع ، وهي الأساطين . قال الشاعر :
وجيش الجن إني قد أذنت لهم ***يبغون تدمر بالصفاح والعمد
والمفرد عماد وعمد ، كإهاب وأهب . وقيل : عمود وعمد كأديم وأدم ، وقضيم وقضم . والعماد والعمود ما يعمد به يقال : عمدت الحائط أعمده عمداً إذا أدعمته ، فاعتمد الحائط على العماد أي : امتسك بها . ويقال : فلان عمدة قومه إذا كانوا يعتمدونه فيما يخزيهم . ويجمع عماد على عمد بضمتين كشهاب وشهب ، وعمود على عمد أيضاً كرسول ورسل ، وزبور وزبر هذا في الكثرة ، ويجمعان في القلةعلى أعمدة .
ولما ذكر انتفاء الإيمان عن أكثر الناس ، ذكر عقيبه ما يدل على صحة التوحيد والمعاد وما يجذبهم إلى الإيمان فيما يفكر فيه العاقل ويشاهده من عظيم القدرة وبديع الصنع .
والجلالة مبتدأ ، والذي هو الخبر بدليل قوله تعالى :
{ وهو الذي مد الأرض } ويجوز أن يكون صفة .
وقوله : يدبر الأمر يفصل الآيات خبراً بعد خبر ، وينصره ما تقدمه من ذكر الآيات قاله الزمخشري .
وقرأ أبو حيوة ، ويحيى بن وثاب : بضمتين ، وبغير عمد في موضع الحال أي : خالية عن عمد .
والضمير في ترونها عائد على السموات أي : تشاهدون السموات خالية عن عمد .
واحتمل هذا الوجه أن يكون ترونها كلاماً مستأنفاً ، واحتمل أن يكون جملة حالية أي : رفعها مرئية لكم بغير عمد .
وهي حال مقدرة ، لأنه حين رفعها لم نكن مخلوقين .
وقيل : ضمير النصب في ترونها عائد على عمد أي : بغير عمد مرئية ، فترونها صفة للعمد .
ويدل على كونه صفة لعمد قراءة أبي : ترونه ، فعاد الضمير مذكراً على لفظ عمد ، إذ هو اسم جمع .
قال أي ابن عطية : اسم جمع عمود والباب في جمعه عمد بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل انتهى .
وهو وهم ، وصوابه : بضم الحرفين ، لأن الثالث هو حرف الإعراب فلا يعتبر ضمه في كيفية الجمع .
هذا التخريج يحتمل وجهين : أحدهما أنها لها عمد ، ولا ترى تلك العمد ، وهذا ذهب إليه مجاهد وقتادة .
وقال ابن عباس : وما يدريك أنها بعمد لا ترى ؟ وحكى بعضهم أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض ، والسماء عليه كالقبة .
والوجه الثاني : أن يكون نفي العمد ، والمقصود نفي الرؤية عن العمد ، فلا عمد ولا رؤية أي : لا عمد لها فترى .
والجمهور على أن السموات لا عمد لها البتة ، ولو كان لها عمد لاحتاجت تلك العمد إلى عمد ، ويتسلسل الأمر ، فالظاهر أنها ممسكة بالقدرة الإلهية .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } ونحو هذا من الآيات .
وقال أبو عبد الله الرازي : العماد ما يعتمد عليه ، وهذه الأجسام واقفة في الحيز العالي بقدرة الله تعالى ، فعمدها قدرة الله تعالى ، فلها عماد في الحقيقة .
إلا أن تلك العمد إمساك الله تعالى وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز العالي ، وأنتم لا ترون ذلك التدبير ، ولا تعرفون كيفية ذلك الإمساك انتهى .
وعن ابن عباس : ليست من دونها دعامة تدعمها ، ولا فوقها علاقة تمسكها .
وأبعد من ذهب إلى أنّ ترونها خبر في اللفظ ومعناه الأمر أي : رها وانظروا هل لها من عمد ؟ وتقدم تفسير { ثم استوى على العرش } قال ابن عطية : ثم هنا العطف الجمل لا للترتيب ، لأنّ الاستواء على العرش قبل رفع السموات .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « كان الله ولم يكن شيء قبله ، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض » انتهى .
وسخر الشمس والقمر أي : ذللهما لما يريد منهما .
وعبر بالجريان عن السير الذي فيه سرعة ، وكل مضافة في التقدير ، والظاهر أنّ المحذوف هو ضمير الشمس والقمر أي : كليهما يجري إلى أجل مسمى .
وقال ابن عطية : والشمس والقمر في ضمن ذكرهما ذكر الكواكب ، ولذلك قال : كل يجري لأجل مسمى ، أي : كل ما هو في معنى الشمس والقمر من المسخر ، وكل لفظة تقتضي الإضافة ظاهرة أو مقدرة انتهى .
وشرح كل بقوله أي : كل ما هو في معنى الشمس والقمر ما أخرج الشمس والقمر من ذكر جريانهما إلى أجل مسمى ، وتحريره أن يقول على زعمه : إن الكواكب في ضمن ذكرهما أي ، ومما هو في معناهما إلى أجل مسمى .
وقال ابن عباس : منازل الشمس والقمر وهذ الحدود التي لا تتعداها ، قدر لكل منهما سيراً خاصاً إلى جهة خاصة بمقدار خاص من السرعة والبطء .
وقيل : الأجل المسمى هو يوم القيامة ، فعند مجيئه ينقطع ذلك الجريان والتسيير كما قال تعالى : { إذا الشمس كورت } وقال : وجمع الشمس والقمر ، ومعنى تدبير الأمر إنفاذه وإبرامه ، وعبر بالتدبير تقريباً للإفهام ، إذ التدبير إنما هو النظر في إدبار الأمور وعواقبها وذلك من صفات البشر ، والأمر أمر ملكوته وربوبيته ، وهو عام في جميع الأمور من إيجاد وإعدام وإحياء وإماتة وإنزال وحي وبعث رسل وتكليف وغير ذلك .
وقال مجاهد : يدبر الأمر يقضيه وحده ، ويفصل الآيات يجعلها فصولاً مبينة مميزاً بعضها من بعض .
والآيات هنا دلائله وعلاماته في سمواته على وحدانيته ، أو آيات الكتب المنزلة ، أو آيات القرآن أقوال .
وقرأ النخعي ، وأبو رزين ، وابان بن ثعلب ، عن قتادة : ندبر الأمر نفصل بالنون فيهما ، وكذا قال أبو عمرو الداني عن الحسن فيهما ، وافق في نفصل بالنون الخفاف ، وعبد الواحد عن أبي عمرو ، وهبيرة عن حفص .
وقال صاحب اللوامح : جاء عن الحسن والأعمش نفصل بالنون فقط .
وقال المهدوي : لم يختلف في يدبر ، أو ليس كما قال ؟ إذ قد تقدمت قراءة ابان .
ونقل الداني عن الحسن : والذي تقتضيه الفصاحة أن هاتين الجملتين استفهام إخبار عن الله تعالى .
وقيل : يدبر حال من الضمير في وسخر ، ونفصل حال من الضمير في يدبر ، والخطاب في لعلكم للكفرة ، وتوقنون بالجزاء أو بأنّ هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.