البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (26)

السقف : معروف ويجمع على سقوف وهو القياس ، وعلى سقف وسقف ، وفعل وفعل محفوظان في فعل ، وليسا مقيسين فيه .

فأتى الله أي : أمره وعذابه والبنيان ، قيل : حقيقة .

قال ابن عباس وغيره : الذين من قبلهم نمرود بنى صرحاً ليصعد بزعمه إلى السماء ، وأفرط في علوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش ، وقاله كعب الأحبار .

وقال ابن عباس ووهب : طوله في السماء خمسة آلاف ذراع ، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع ، فبعث الله تعالى عليه ريحاً فهدمته ، وخر سقفه عليه وعلى اتباعه .

وقيل : هدمه جبريل بجناحه ، وألقى أعلاه في البحر ، والحقف من أسفله .

وقال ابن الكلبي : المراد المقتسمون المذكورون في سورة الحجر .

وقيل : الذين من قبلهم بخت نصر وأصحابه .

وقال الضحاك : قريات قوم لوط ، وقالت فرقة : المراد بالذين من قبلهم من كفر من الأمم المتقدمة ومكر ، ونزلت به عقوبة من الله ، ويكون فأتى الله بنيانهم إلى آخره تمثيلاً والمعنى : أنهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها الله ورسوله ، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات كحال قوم بنوا بنياناً وعمدوه بالأساطين ، فأتى البنيان من الأساطين بأن تضعضعت ، فسقط عليهم السقف وهلكوا ونحوه : من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً .

ومن القواعد لابتداء الغاية أي : أتاهم أمر الله من جهة القواعد .

وقالت فرقة : المراد بقوله : فخرَّ عليهم السقف من فوقهم .

جاءهم العذاب من قبل السماء التي هي فوقهم ، وقاله ابن عباس .

وقيل : المعنى أحبط الله أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه .

قال ابن عطية : وهذا ينجر إلى اللغز .

ومعنى قوله : من فوقهم ، رفع الاحتمال في قوله : فخرَّ عليهم السقف ، فإنك تقول : انهدم على فلان بناؤه وليس تحته ، كما تقول : انفسد عليه ، وقوله : من فوقه ، ألزم أنهم كانوا تحته انتهى .

وهذا الذي قاله ابن الأعرابي قال : يعلمك أنهم كانوا جالسين تحته ، والعرب تقول : خر علينا سقف ، ووقع علينا سقف ، ووقع علينا حائط إذا كان يملكه .

وإن لم يكن وقع عليه فجاء بقوله من فوقهم ليخرج هذا الذي في كلام العرب فقال : من فوقهم ، أي : عليهم وقع ، وكانوا تحته فهلكوا ، فأتاهم العذاب .

قال ابن عباس : يعني البعوضة التي أهلك بها نمروذ ، وقيل : من حيث لا يشعرون ، من حيث ظنوا أنهم في أمان .

وقرأ الجمهور : بنيانهم ، وقرأت فرقة بنيتهم .

وقرأ جعفر : بيتهم ، والضحاك : بيوتهم .

وقرأ الجمهور : السقف مفرداً ، والأعرج السقف بضمتين وزيد بن علي ومجاهد ، بضم السين فقط .

وتقدم توجيه مثل هاتين القراءتين في وبالنجم .

وقرأت فرقة : السقف بفتح السين وضم القاف ، وهي لغة في السقف ، ولعل السقف مخفف منه ، ولكنه كثر استعماله كما قالوا في رجل رجل وهي لغة تميمية .