البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{هُنَالِكَ ٱلۡوَلَٰيَةُ لِلَّهِ ٱلۡحَقِّۚ هُوَ خَيۡرٞ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ عُقۡبٗا} (44)

قيل : لما نفى عنه الفئة الناصرة في الدنيا نفى عنه أن ينتصر في الآخرة ، فقال { وما كان منتصراً هنالك } أي في الدار الآخرة ، فيكون { هنالك } معمولاً لقوله { منتصراً } .

وقال الزجّاج : أي { وما كان منتصراً } في تلك الحال و { الولاية لله } على هذا مبتدأ وخبر .

وقيل : { هنالك الولاية لله } مبتدأ وخبر ، والوقف على قوله { منتصراً } .

وقرأ الأخوان والأعمش وابن وثاب وشيبة وابن غزوان عن طلحة وخلف وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير { الولاية } بكسر الواو وهي بمعنى الرئاسة والرعاية .

وقرأ باقي السبعة بفتحها بمعنى الموالاة والصلة .

وحُكِي عن أبي عمرو والأصمعي أن كسر الواو هنا لحن لأن فعالة إنما تجيء فيما كان صنعة أو معنى متقلداً وليس هنالك تولي أمور .

وقال الزمخشري : { الولاية } بالفتح النصرة والتولي بالكسر السلطان والملك ، وقد قرئ بهما والمعنى هنالك أي في ذلك المقام ، وتلك الحال النصرة لله وحده لا يملكها غيره ولا يستطيعها أحد سواه تقريراً لقوله { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } أو { هنالك } السلطان والملك { لله } لا يغلب ولا يمتنع منه ، أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطر يعني إن قوله { يا ليتني لم أشرك بربي أحداً } كلمة ألجئ إليها فقالها فزعاً من شؤم كفره ، ولولا ذلك لم يقلها .

ويجوز أن يكون المعنى { هنالك الولاية لله } ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم ويشفي صدورهم من أعدائهم ، يعني أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن .

وصدق قوله عسى { ربي أن يؤتيني خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء } ويعضده قوله { هو خير ثواباً وخير عقباً } أي لأوليائه انتهى .

وقرأ النحويان وحميد والأعمش وابن أبي ليلى وابن مناذر واليزيدي وابن عيسى الأصبهاني { الحق } برفع القاف صفة للولاية .

وقرأ باقي السبعة بخفضها وصفاً لله تعالى .

وقرأ أُبيّ { هنالك الولاية } الحق لله برفع الحق للولاية وتقديمها على قوله { لله } .

وقرأ أبو حيوة وزيد بن عليّ وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال ويعقوب عن عصمة عن أبي عمرو { لله الحق } بنصب القاف .

قال الزمخشري : على التأكيد كقولك هذا عبد الله الحق لا الباطل وهي قراءة حسنة فصيحة ، وكان عمرو بن عبيد رحمة الله عليه ورضوانه من أفصح الناس وأنصحهم انتهى .

وكان قد قال الزمخشري : وقرأ عمرو بن عبيد رحمه الله انتهى .

فترحم عليه وترضى عنه إذ هو من أوائل أكابر شيوخه المعتزلة ، وكان على غاية من الزهد والعبادة وله أخبار في ذلك إلاّ أن أهل السنة يطعنون عليه وعلى أتباعه ، وفي ذلك يقول أبو عمرو الداني في أرجوزته التي سماها المنبهة :

وابن عبيد شيخ الاعتزال***وشارع البدعة والضلال

وقرأ الحسن والأعمش وعاصم وحمزة { عقباً } بسكون القاف والتنوين ، وعن عاصم عقبى بألف التأنيث المقصورة على وزن رجعى ، والجمهور بضم القاف والتنوين والثلاث بمعنى العاقبة .