البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا} (11)

{ فخرج على قومه من المحراب } أي وهو بتلك الصفة من كونه لا يستطيع أن يكلم الناس ، ومحرابه موضع مصلاه ، والمحراب تقدم الكلام عليه في آل عمران { فأوحى إليهم } أي أشار .

قال قتادة وابن منبه والكلبي والقرطبي أوحى إليهم أشار ، وذكره الزمخشري عن مجاهد قال : ويشهد له إلاّ رمزاً .

وعن ابن عباس كتب لهم على الأرض .

وقال ابن عطية : وقال مجاهد : بل كتب لهم في التراب وكلا الوجهين وحي انتهى .

وقال عكرمة : كتب في ورقة والوحي في كلام العرب الكتابة .

ومنه قول ذي الرمة :

سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها***بقية وحي في بطون الصحائف

وقال عنترة :

كوحي صحائف من عهد كسرى***فأهداها لأعجم طمطميِّ

وقال جرير :

كأن أخا اليهود يخط وحياً***بكاف في منازلها ولام

والجمهور على أن المعنى { أن سبحوا } صلوا .

وقيل أمرهم بذكر الله والتسبيح .

قال المفسرون كان يخرج على قومه بكرة وعشياً فيأمرهم بالصلاة إشارة .

وقال صاحب التحرير والتحبير وعندي في هذا معنى لطيف وهو أنه إنما خص بالتسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمراً عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة أو غريب حكمة يقول : سبحان الله سبحان الخالق ، فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك فسبح وأمر بالتسبيح انتهى .

وقال الزمخشري وابن عطية و { أن } مفسرة .

وقال الحوفي { أن سبحوا } { أن } نصب بأوحى .

وقال أبو البقاء : يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون بمعنى أي انتهى .

وقرأ طلحة أن سبحوه بهاء الضمير عائدة على الله تعالى .

وروى ابن غزوان عن طلحة أن سبحن بنون مشددة من غير واو ألحق فعل الأمر نون التوكيد الشديد .