ولما نهى أوّلاً ، وأمر ثانياً ، وأمر بالسمع وحض عليه ، إذ في ضمنه الطاعة ، أخذ يذكر لمن خالف أمره وكفر ،
ذو : يكون بمعنى صاحب ، وتثنى ، وتجمع ، وتؤنث ، وتلزم الإضافة لاسم جنس ظاهر .
وفي إضافتها إلى ضمير الجنس خلاف ، المشهور : المنع ، ولا خلاف أنه مسموع ، لكن من منع ذلك خصه بالضرورة .
وإضافته إلى العلم المقرون به في الوضع ، أو الذي لا يقرن به في أول الوضع مسموع .
فمن الأول قولهم : ذو يزن ، وذو جدن ، وذو رعين ، وذو الكلاع .
ومن الثاني قولهم : في تبوك ، وعمرو ، وقطرى : ذو تبوك ، وذو عمرو ، وذو قطرى .
والأكثر أن لا يعتد بلفظ ذو ، بل ينطق بالاسم عارياً من ذو .
وما جاء من إضافته لضمير العلم ، أو لضمير مخاطب لا ينقاس ، كقولهم : اللهم صل على محمد وعلى ذويه ، وقول الشاعر :
وإنا لنرجو عاجلاً منك مثل ما *** رجوناه قدماً من ذويك الأفاضل
ومذهب سيبويه : أن وزنه فعل ، بفتح العين ، ومذهب الخليل : أن وزنه فعل ، بسكونها .
واتفقوا على أنه يجمع في التكسير على أفعال .
قالوا : أذواء وذو من الأسماء الستة التي تكون في الرفع بالواو ، وفي النصب بالألف ، وفي الجر بالياء .
وإعراب ذو كذا لازم بخلاف غيرها من تلك الأسماء ، فذلك على جهة الجواز .
وفيما أعربت به هذه الأسماء عشرة مذاهب ذكرت في النحو ، وقد جاءت ذو أيضاً موصولة ، وذلك في لغة طيء ، ولها أحكام ، ولم تقع في القرآن .
{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } { ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين } : ذكر المفسرون أن المسلمين قالوا لحلفائهم من اليهود : آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : وددنا لو كان خيراً مما نحن عليه فنتبعه ، فأكذبهم الله بقوله : { ما يود الذين كفروا } ، فعلى هذا يكون المراد بأهل الكتاب : الذين بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والظاهر ، العموم في أهل الكتاب : وهم اليهود والنصارى ، وفي المشركين : وهم مشركو العرب وغيرهم ، ونفى بما ، ونها لنفي الحال ، فهم ملتبسون بالبغض والكراهة أن ينزل عليكم .
ومن ، في قوله : من أهل الكتاب ، تبعيضية ، فتتعلق بمحذوف ، أي كائنين من أهل الكتاب .
ومن أثبت أن من تكون لبيان الجنس قال ذلك هنا ، وبه قال الزمخشري ، وأصحابنا لا يثبتون كونها للبيان .
{ ولا المشركين } ، معطوف على : { من أهل الكتاب } .
ورأيت في كتاب لأبي إسحاق الشيرازي ، صاحب ( التنبيه ) ، كلاماً يرد فيه على الشيعة ، ومن قال بمقالتهم : في أن مشروعية الرجلين في الوضوء هي المسح ، للعطف في قوله : { وأرجلكم } ، على قوله : { برؤوسكم } ، خرج فيه أبو إسحاق قوله : وأرجلكم بالجر ، على أنه من الخفض على الجوار ، وأن أصله النصب فخفض عطفاً على الجوار .
وأشار في ذلك الكتاب إلى أن القرآن ولسان العرب يشهدان بجواز ذلك ، وجعل منه قوله : ولا المشركين ، في هذه الآية ، وقوله : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } وأن الأصل هو الرفع ، أي ولا المشركون ، عطفاً على الذين كفروا ، وهذا حديث من قصر في العربية ، وتطاول إلى الكلام فيها بغير معرفة ، وعدل عن حمل اللفظ على معناه الصحيح وتركيبه الفصيح .
ودخلت لا في قوله : ولا المشركين ، للتأكيد ، ولو كان في غير القرآن لجاز حذفها .
ولم تأت في قوله : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } لمعنى يذكر هناك ، إن شاء الله تعالى
{ أن ينزل عليكم } : في موضع المفعول بيود ، وبناؤه للمفعول ، وحذف الفاعل للعلم به ، وللتصريح به في قوله : { من ربكم } .
ولو بني للفاعل لم يظهر في قوله : { من ربكم } .
{ من خير } ، من : زائدة ، والتقدير : خير من ربكم ، وحسن زيادتها هنا ، وإن كان ينزل لم يباشره حرف النفي ، فليس نظير : ما يكرم من رجل ، لانسحاب النفي عليه من حيث المعنى ، لأنه إذا نفيت الودادة ، كان كأنه نفى متعلقها ، وهو الإنزال ، وله نظائر في لسان العرب ، من ذلك قوله تعالى : { أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهنّ بقادر } فلما تقدّم النفي حسن دخول الباء ، وكذلك قول العرب : ما ظننت أحداً يقول ذلك إلا زيد ، بالرفع على البدل من الضمير المستكن في يقول ، وإن لم يباشره حرف النفي ، لأن المعنى : ما يقول ذلك أحد إلا زيد ، فيما أظن .
وهذا التخريج هو على قول سيبويه والخليل .
وأما على مذهب الأخفش والكوفيين في هذا المكان ، فيجوز زيادتها ، لأنهم لا يشترطون انتفاء الحكم عما تدخل عليه ، بل يجيزون زيادتها في الواجب وغيره .
ويزيد الأخفش : أنه يجيز زيادتها في المعرفة .
وذهب قوم إلى أن من للتبعيض ، ويكون على هذا المفعول الذي لم يسم فاعله هو عليكم ، ويكون المعنى : أن ينزل عليكم بخير من الخير من ربكم .
{ من ربكم } : من : لابتداء الغاية ، كما تقول : هذا الخير من زيد .
المعنى من خير كائن من خيور ربكم ، فإذا كانت لابتداء الغاية تعلقت بقوله : ينزل ، وإذا كانت للتبعيض تعلقت بمحذوف ، وكان ذلك على حذف مضاف ، كما قدّرناه .
والخير هنا : القرآن ، أو الوحي ، إذ يجمع القرآن وغيره ، أو ما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التعظيم ؛ أو الحكمة والقرآن والظفر ؛ أو النبوة الإسلام ، أو العلم والفقه والحكمة ؛ أو هنا عام في جميع أنواع الخير ، فهم يودون انتفاء ذلك عن المؤمنين ، سبعة أقوال ، أظهرها الآخر .
وسبب عدم ودهم ذلك : أما في اليهود ، فلكون النبوّة كانت في بني إسماعيل ، ولخوفهم على رئاستهم ، وأما النصارى ، فلتكذيبهم في إدعائهم ألوهية عيسى ، وأنه ابن الله ، ولخوفهم على رئاستهم ، وأما المشركون ، فلسبّ آلهتهم وتسفيه أحلامهم ، ولحسدهم أن يكون رجل منهم يختص بالرسالة ، واتباع الناس له .
{ والله يختصّ برحمته من يشاء } : أي يفرد بها ، وضد الاختصاص : الاشتراك .
ويحتمل أن يكون يختصّ هنا لازماً ، أي ينفرد ، أو متعدّياً ، أي يفرد ، إذ الفعل يأتي كذلك .
يقال : اختصّ زيد بكذا ، واختصصته به ، ولا يتعين هنا تعديه ، كما ذكر بعضهم ، إذ يصح ، والله يفرد برحمته من يشاء ، فيكون من فاعلة ، وهو افتعل من : خصصت زيداً بكذا .
فإذا كان لازماً ، كان لفعل الفاعل بنفسه نحو : اضطررت ، وإذا كان متعدياً ، كان موافقاً لفعل المجرّد نحو : كسب زيد مالاً ، واكتسب زيد مالاً .
والرحمة هنا عامة بجميع أنواعها ؛ أو النبوّة والحكمة والنصرة ، اختص بها محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله عليّ والباقر ومجاهد والزجاج ؛ أو الإسلام ، قاله ابن عباس ؛ أو القرآن ، أو النبي صلى الله عليه وسلم ، { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } هو نبي الرحمة ، أقوال خمسة ، أظهرها الأول
{ والله ذو الفضل العظيم } : قد تقدّم أن ذو بمعنى صاحب .
وذكر جملة من أحكام ذو ، والوصف بذو ، أشرف عندهم من الوصف بصاحب ، لأنهم ذكروا أن ذو أبداً لا تكون إلا مضافة لاسم ، فمدلولها أشرف .
ولذلك جاء ذو رعين ، وذو يزن ، وذو الكلاع ، ولم يسمعوا بصاحب رعين ، ولا صاحب يزن ونحوها .
وامتنع أن يقول في صحابي أبي سعيد أو جابر : ذو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاز أن يقول : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولذلك وصف الله تعالى نفسه بقوله : { ذو الجلال } { ذو الفضل } ، وسيأتي الفرق بين قوله تعالى : { وذا النون إذ ذهب مغاضباً } ، وقوله تعالى : { ولا تكن كصاحب الحوت } إن شاء الله تعالى .
وتقدّم تفسير { الفضل العظيم } ويجوز أن يراد به هنا : جميع أنواع التفضلات ، فتكون أل للاستغراق ، وعظمه من جهة سعته وكثرته ، أو فضل النبوّة .
وقد وصف تعالى ذلك بالعظم في قوله :
{ وكان فضل الله عليك عظيماً } أو الشريعة ، فعظمها من جهة بيان أحكامها ، من حلال ، وحرام ، ومندوب ، ومكروه ، ومباح ؛ أو الثواب والجزاء ، فعظمه من جهة السعة والكثرة ، { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.