الخالص : الذي لا يشوبه شيء ، يقال : خلص يخلص خلوصاً .
تمنى : تفعل من المنية ، وهو الشيء المشتهى ، وقد يكون المتمنى باللسان بمعنى : التلاوة ، ومنه : تمنى على زيد منه حاجة ،
{ قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة } : نزلت فيما حكاه ابن الجوزي عندما قالت اليهود : إن الله لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه .
وقال أبو العالية والربيع : سبب نزول هاتين الآيتين قولهم : { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً } و { نحن أبناء الله } و { لن تمسنا النار } الآيات ، وروي مثله عن قتادة .
والضمير في قل ، إما للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإما لمن ينبغي إقامة الحجة عليهم منه ومن غيره .
وفسروا الدار الآخرة بالجنة ، قالوا : وذلك معهود في إطلاقها على الجنة .
قال تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فساداً } ومعلوم أن ما يجعل لهؤلاء هو الجنة ، { وللدار الآخرة خير للذين يتقون } والأحسن أن يكون ذلك على حذف مضاف دل عليه المعنى ، أي نعيم الدار الآخرة وحظوتها وخيرها ، لأن الدار الآخرة هي موضع الإقامة بعد انقضاء الدنيا .
وسميت آخرة لأنها متأخرة عن الدنيا ، أو هي آخر ما يسكن .
وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله : { وهم بالآخرة هم يوقنون } ومعنى : عند الله ، أي في حكم الله ، كقوله تعالى : { فأولئك عند الله } أي في حكمه { هم الفاسقون } وقيل : المراد بالعندية هنا : المكانة والمرتبة والشرف ، لا المكان .
ومعنى خالصة : أي مختصة بكم ، لا حظ في نعيمها لغيركم .
واختلفوا في إعراب خالصة ، فقيل : نصب على الحال ، ولم يحك الزمخشري غيره ، فيكون لكم إذ ذاك خبر كانت ، ويكون العامل في الحال هو العامل في المجرور ، ولا يجوز أن يكون الظرف إذ ذاك الخبر ، لأنه لا يستقل معنى الكلام به وحده .
وقد وهم في ذلك المهدوي وابن عطية ، إذ قالا : ويجوز أن يكون نصب خالصة على الحال ، وعند الله خبر كان .
وقيل : انتصاب خالصة على أنه خبر كان ، فيجوز في لكم أن يتعلق بكانت ، لأن كان يتعلق بها حرف الجر ، ويجوز أن يتعلق بخالصة .
ويجوز أن تكون للتبين ، فيتعلق بمحذوف تقديره : لكم ، أعني نحو قولهم : { سقياً لك } إذ تقديره : لك أدعو .
{ من دون الناس } : متعلق بخالصة ، ودون هنا لفظ يستعمل للاختصاص ، وقطع الشركة .
تقول : هذا ولي دونك ، وأنت تريد لا حق فيه لك معي ولا نصيب .
وفي غير هذا المكان يأتي لمعنى الانتقاص في المنزلة أو المكان أو المقدار .
والمراد بالناس : الجنس ، وهو الظاهر لدلالة اللفظ وقوله : خالصة .
وقيل : المراد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون .
وقيل : المراد به النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس : قالوا ، ويطلق الناس ، ويراد به الرجل الواحد ، وهذا لا يكون إلا على مجاز وتنزيل الرجل الواحد منزلة الجماعة .
{ فتمنوا الموت } : أي سلوه باللسان فقط ، وإن لم يكن بالقلب ، قاله ابن عباس .
أو تمنوه بقلوبكم واسألوه بألسنتكم ، قاله قوم .
أو فسلوه بقلوبكم على أردإ الحزبين من المؤمنين أومنهم .
وروي عن ابن عباس وغيره ، وقرأ الجمهور : فتمنوا الموت ، بضم الواو ، وهي اللغة المشهورة في مثل : اخشوا القوم .
ويجوز الكسر تشبيهاً لهذه الواو بواو : ولو استطعنا ، كما شبهوا واو لو بواو اخشوا ، فضموا ، فقالوا : لو استطعنا .
وقرأ ابن أبي إسحاق : فتمنوا الموت بالكسر ، وحكى أبو علي الحسن بن إبراهيم بن يزداد ، عن أبي عمرو ، أنه قرأ : فتمنوا الموت ، بفتح الواو ، وحركها بالفتح طلباً للتخفيف ، لأن الضمة والكسرة في الواو يثقلان .
وحكى أيضاً عن أبي عمرو : واختلاس ضمة الواو .
{ وإن كنتم صادقين } في دعواكم أن الجنة لكم دون غيركم .
وجواب الشرط محذوف ، أي فتمنوا الموت .
وعلق تمنيهم على شرط مفقود ، وهو كونهم صادقين ، وليسوا بصادقين في أن الجنة خالصة لهم دون الناس ، فلا يقع التمني : والمقصود من ذلك التحدي وإظهار كذبهم ، وذلك أن من أيقن أنه من أهل الجنة ، اختار أن ينتقل إليها ، وأن يخلص من المقام في دار الأكدار ، وأن يصل إلى دار القرار .
كما روي عمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، كعثمان ، وعليّ ، وعمار ، وحذيفة ، أنهم كانوا يختارون الموت ، وكذلك الصحابة كانت تختار الشهادة .
وفي الحديث الصحيح أنه قال صلى الله عليه وسلم : « ليتني أحيا ثم أقتل ثم أحيا فأقتل » لما علم من فضل الشهادة .
وقال ، لما بلغه قتل من قتل ببئر معونة : « يا ليتني غودرت معهم في لحف الجبل » وروي عن حذيفة أنه كان يتمنى الموت ، فلما احتضر قال : حبيب جاء على فاقة .
وعن عمار ، لما كان بصفين قال : غداً نلقى الأحبة ، محمداً وصحبه .
وعن عليّ أنه كان يطوف بين الصفين بغلالة ، فقال له ابنه الحسن : ما هذا بزيّ المحاربين ، فقال : يا بنيّ لا يبالي أبوك ، أعلى الموت سقط ، أم عليه سقط الموت .
وكان عبد الله بن رواحة ينشد ، وهو يقاتل الروم :
يا حبذا الجنة واقترابها*** طيبة وبارد شرابها
وفي قصتي قتل عثمان وسعيد بن جبير ما يدل على اختيارهما الشهادة ، وذلك أن عثمان جاءه جماعة من الصحابة فقالوا له : نقاتل عنك ؟ فقال لهم : لا ، وكان له قريب من ألف عبد ، فشهروا سيوفهم لما هجم عليهم ، فقال : من أغمد سيفه فهو حرّ .
وأما سعيد ، فإن الموكلين به ، لما طلبه الحجاج ، لما شاهدوا من لياذ السباع به وتمسحها به ، قالوا : لا ندخل في إراقة دم هذا الرجل الصالح ، قالوا له : طلبك ليقتلك ، فاذهب حيث شئت ، ونحن نكون فداء .
فقال : لا والله ، إني سألت ربي الشهادة ، وقد رزقنيها ، والله لا برحت .
وروي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : « لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي » وذلك أن الله أمر نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت ، وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات .
ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فعلم اليهود صدقه ، فأحجموا عن تمنيه فرقاً من الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.