بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (105)

قوله تعالى : { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب } ، يعني يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران . { وَلاَ المشركين } ، يعني مشركي العرب { أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ مّن رَّبّكُمْ } ، يعني أن ينزل على رسولكم من الوحي وشرائع الإسلام لأنهم كانوا كفاراً ، فيحبون أن يكون الناس كلهم كفاراً مثلهم . وهذا كما قال في آية أخرى { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حتى يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [ النساء : 89 ] . فأخبر الله تعالى أن الأمر ليس على مرادهم حيث قال { والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء } ، أي يختار للنبوة من يشاء ، من كان أهلاً لذلك ويكرم بدينه الإسلام من يشاء ، { والله ذُو الفضل العظيم } ، أي ذو المن العظيم لمن اختصه بالنبوة والإسلام . وقال مقاتل : كان قوم من الأنصار يدعون حلفاءهم ومواليهم من اليهود إلى الإسلام . فقالوا للمسلمين : إن الذين تدعوننا إليه هو خير مما نحن فيه وعليه ، وددنا لو أنكم على هذا ، فنزل قوله { والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء } أي بدينه الإسلام من يشاء . ونظيرهما في سورة هل أتى { وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحدة ولكن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِى رَحْمَتِهِ والظالمون مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [ الشورى : 8 ] ، أي في دين الإسلام .