فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (105)

{ يود } يتمنى ويحب { ذو } صاحب

{ ما يود الذين كفروا } أنبأنا العليم الخبير بكراهية الكافرين لنا وحبهم لهلاكنا يستوي في ذلك كتابيهم ومشركهم { من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم }{[379]} فهؤلاء اليهود والنصارى وأولئك الوثنيون يتمنون أن نحرم الهداية والرحمة يحسدوننا على ما آتانا الله من فضله -{ من } الأولى للبيان لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان : أهل الكتاب والمشركون كقوله { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين . . . }{[380]} . . . . والثانية لاستغراق الخير فإن { ينزل } في سياق النفي فمعنى ما يود أن ينزل : يود أن لا ينزل والثالثة لابتداء الغاية -{[381]} ( وفي الآية دلالة على أن الله تعالى نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين والاستماع من قولهم وقبول شيء مما يأتونهم به على وجه النصيحة لهم منه باطلاعه جل ثناؤه إياهم به على ما يستبطنه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما يستبطنون . . . { والله يختص برحمته من يشاء } والله يختص من يشاء بنبوته ورسالته فيرسله إلى من يشاء من خلقه فيتفضل بالإيمان على من أحب فيهديه له واختصاصه إياهم بها وإفرادهم بها دون غيره من خلقه وإنما جعل الله رسالته إلى من أرسل إليه من خلقه وهدايته من هدى من عباده رحمة منه له ليصيره بها إلى رضاه ومحبته وفوزه بها بالجنة{[382]} واستحقاقه به ثناؤه وكل ذلك رحمة من الله له ؛ وأما قوله { والله ذو الفضل العظيم } فإنه من الله جل ثناؤه عن أن كل خير ناله عباده في دينهم ودنياهم فإنه من عنده ابتداء وتفضلا منه عليهم من غير استحقاق منهم ذلك عليه . . . ){[383]} .


[379]:سورة النساء من الآية 46.
[380]:سورة البينة من الآية 1.
[381]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن.
[382]:ومع هذا الفوز والفلاح فإن أتباع شرع الله الحكيم يظفره في عاجله بالحياة الطيبة مصداقا لوعد مولانا البر الرحيم {... فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى...} من سورة ( طه) من الآية 123.
[383]:ما بين العلامتين ( ) من جامع البيان.