الوجه : معروف ، ويجمع قلة على أوجه ، وكثرة على وجوه ، فينقاس أفعل في فعل الاسم الصحيح العين ، وينقاس فعول في فعل الاسم ليس عينه واواً .
{ بلى } : رد لقولهم : { لن يدخل الجنة } ، والكلام فيها كالكلام الذي تقدّم في قوله : { بلى من كسب سيئة } وقبل ذلك : { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } وكلاهما فيه نفي وإيجاب ، إلا أن ذلك استثناء مفرّغ من الأزمان ، وهذا استثناء مفرّغ من الفاعلين .
وأبعد من ذهب إلى أن بلى رد لما تضمن قوله : { قل هاتوا برهانكم } من النفي ، لأن معناه لا برهان لكم على صدق دعواكم ، فأثبت ببلى أن لمن أسلم وجهه برهاناً ، وهذا ينبو عنه اللفظ .
{ من أسلم وجهه لله } : الكلام في : من ، كالكلام في : من ، من قوله : { من كسب سيئة } ، والأظهر أنها مبتدأة ، وجوّزوا أن تكون فاعلة ، أي يدخلها من أسلم ، وإذا كانت مبتدأة ، فلا يتعين أن تكون شرطية .
فالجملة بعدها هي الخبر ، وجواب الشرط { فله أجره } .
وإذا كانت موصولة ، فالجملة بعدها صلة لا موضع لها من الإعراب ، والخبر هو ما دخلت عليه الفاء من الجملة الابتدائية ، وإذا كانت من فاعلة فقوله : { فله أجره } جملة اسمية معطوفة على ذلك الفعل الرافع لمن .
والوجه هنا يحتمل أن يراد به الجارحة خص بالذكر ، لأنه أشرف الأعضاء ، أو لأنه فيه أكثر الحواس ، أو لأنه عبر به عن الذات ومنه : { كل شيء هالك إلا وجهه }
، ويحتمل أن يراد به الجهة ، والمعنى : أخلص طريقته في الدين لله .
وقال ابن عباس : أخلص عمله لله .
وقيل : فوّض أمره إلى الله تعالى .
وهذه أقوال متقاربة في المعنى ، وإنما يقولها السلف على ضرب المثال ، لا على أنها متعينة يخالف بعضها بعضاً .
وهذا نظير ما يقوله النحوي : الفاعل زيد من قولك ، قام زيد ، وآخر يقول : جعفر من خرج جعفر ، وآخر يقول : عمرو من انطلق عمرو ، وهذا أحسن ما يظن بالسلف رحمهم الله ، فيما جاء عنهم من هذا النوع .
{ وهو محسن } : جملة حالية ، وهي مؤكدة من حيث المعنى ، لأن من أسلم وجهه لله فهو محسن .
وقد قيد الزمخشري الإحسان بالعمل ؛ وجعل معنى قوله : { من أسلم وجهه لله } : من أخلص نفسه له ، لا يشرك به غيره ، وهو محسن في عمله ، فصارت الحال هنا مبينة ، إذ من لا يشرك قسمان : محسن في عمله ، وغير محسن ، وذلك منه جنوح إلى مذهبه الاعتزالي من أن العمل لا بد منه ، وأنه بهما يستوجب دخول الجنة ، ولذلك فسر قوله : { فله أجره } الذي يستوجبه ، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الإحسان الشرعي حين سئل عن ماهيته فقال : « أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » وقد فسر هنا الإحسان بالإخلاص ، وفسر بالإيمان ، وفسر بالقيام بالأوامر ، والانتهاء عن المناهي .
{ فله أجره عند ربه } : العامل في عند هو العامل في له ، أي فأجره مستقر له عند ربه ، ولما أحال أجره على الله أضاف الظرف إلى لفظه ربه ، أي الناظر في مصالحة ومربيه ومدبر أحواله ، ليكون ذلك أطمع له ، فلذلك أتى بصفة الرب ، ولم يأت بالضمير العائد على الله في الجملة قبله ، ولا بالظاهر بلفظ الله .
فلم يأت فله أجره عنده ، لما ذكرناه ، ولقلق الإتيان بهذه الضمائر ، ولم يأت فله أجره عند الله ، لما ذكرنا من المعنى الذي دل عليه لفظ الرب .
{ ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } : جمع الضمير في قوله : { عليهم ولا هم يحزنون } حملاً على معنى من ، وحمل أوّلاً على اللفظ في قوله : { من أسلم وجهه له وهو محسن فله أجره عند ربه } ، وهذا هو الأفصح ، وهو أن يبدأ أولاً بالحمل على اللفظ ، ثم بالحمل على المعنى .
وقراءة ابن محيصن : فلا خوف ، برفع الفاء من غير تنوين ، باختلاف عنه .
وقراءة الزهري وعيسى الثقفي ويعقوب وغيرهم : فلا خوف ، بالفتح من غير تنوين ، وتوجيه ذلك ، فأغنى عن إعادته هنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.