فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِيۖ وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِي فَقَدۡ هَوَىٰ} (81)

{ كُلُوا مِن طيبات مَا رزقناكم } أي وقلنا لهم : كلوا والمراد بالطيبات : المستلذات . وقيل : الحلال ، على الخلاف المشهور في ذلك . وقرأ حمزة والكسائي والأعمش : ( قد أنجيتكم من عدوّكم ووعدتكم جانب الطور ) ( كلوا من طيبات ما رزقتكم ) بتاء المتكلم في الثلاثة . وقرأ الباقون بنون العظمة فيها . { وَلاَ تَطْغَوا فِيهِ } الطغيان : التجاوز ، أي لا تتجاوزوا ما هو جائز إلى ما لا يجوز . وقيل : المعنى : لا تجحدوا نعمة الله فتكونوا طاغين . وقيل : لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكرها ، وقيل : لا تعصوا المنعم ، أي لا تحملنكم السعة والعافية على المعصية ، ولا مانع من حمل الطغيان على جميع هذه المعاني ، فإن كل واحد منها يصدق عليه أنه طغيان { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي } هذا جواب النهي ، أي يلزمكم غضبي وينزل بكم ، وهو مأخوذ من حلول الدّين ، أي حضور وقت أدائه { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى } قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي : «فيحل » بضم الحاء ، وكذلك قرؤوا «يحلل » بضم اللام الأولى ، وقرأ الباقون بالكسر فيهما وهما لغتان . قال الفراء : والكسر أحبّ إليّ من الضم ؛ لأن الضم من الحلول بمعنى الوقوع . ويحل بالكسر : يجب ، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع ، وذكر نحو هذا أبو عبيدة وغيره .

ومعنى { فَقَدْ هوى } : فقد هلك . قال الزجاج : { فَقَدْ هوى } أي صار إلى الهاوية ، وهي قعر النار من هوى يهوي هوياً ، أي سقط من علو إلى سفل ، وهوى فلان ، أي مات .

/خ91