فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (77)

{ وابتغ فيما آتاك الله } أي واطلب فيما أعطاك الله من الأموال والثورة والغنى { الدار الآخرة } هي الجنة فأنفقه فيما يرضاه الله كصدقة وصلة رحم ، وإطعام جائع ، وكسوة عار ، ونفقة على محتاج . لا في التجبر والبغي . وقرئ . اتبع .

{ ولا تنس نصيبك من الدنيا } قال جمهور المفسرين : وهو أن يعمل في دنياه لآخرته ، ونصيب الإنسان عمره وعمله الصالح ، قال الزجاج : معناه لا تنس أن تعمل لآخرتك لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته ، وقال الحسن وقتادة : معناه لا تضع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال ، وطلبك إياه ، وهذا ألصق بمعنى النظم القرآني . وقال ابن عباس : أن تعمل فيها لآخرتك ، وفسر بعضهم النصيب بالكفن ، وعليه قول الشاعر :

نصيبك مما تجمع الدهر كله *** رداءآن تدرج فيهما وحنوط

وفسره البيضاوي بما يحتاج إليه منها ، وفي الحديث : " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " وهو مرسل . وهذا ما جرى عليه مجاهد ، وابن زيد . وقيل : معناه خذ ما تحتاجه من الدنيا . وأخرج الباقي ، وقيل : أمر أن يعدم الفضل ويمسك ما يغنيه .

{ وأحسن كما أحسن الله إليك } الكاف للتشبيه ، أي أحسن إحسانا كإحسان الله إليك ، أو للتعليل أي أحسن إلى عباد الله بما أنعم به عليك من نعم الدنيا . لما أمره بالإحسان بالمال ، أمره ثانيا بالإحسان مطلقا . ويدخل فيه الإعانة بالمال والجاه ، وطلاقة الوجه . وحسن اللقاء . وقيل أطع الله واعبده كما أنعم عليك ، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

{ ولا تبغ الفساد في الأرض } أي : لا تعمل فيها بمعاصي الله { إن الله لا يحب المفسدين } في الأرض يعني أنه يعاقبهم .