السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (77)

{ وابتغ } أي : اطلب طلباً تحمد نفسك فيه { فيما آتاك الله } أي : الملك الذي الأمر كله بيده من الغنى والثروة { الدار الآخرة } بأن تقوم بشكر الله فيما أنعم الله عليك وتنفقه في رضا الله تعالى فيجازيك بالجنة { ولا تنس } أي : ولا تترك { نصيبك من الدنيا } قال مجاهد : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب لأنّ حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة ، وقال السدّيّ : بالصدقة وصلة الرحم .

وقال عليّ رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه لا تنسى صحتك وقوّتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة ، روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الموت فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار » ، وعن ميمون الأزدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه «اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك » ، وقال الحسن : أمر أن يقدّم الفضل ويمسك ما يغنيه ، وقال منصور بن زادان : قوتك وقوت أهلك { وأحسن } أي : أوقع الإحسان بدفع المال إلى المحاويج والإنفاق في جميع الطاعات ويدخل في ذلك الإعانة بالجاه وطلاقة الوجه وحسن اللقاء وحسن الذكر { كما أحسن الله } الجامع لصفات الكمال { إليك } بأن تعطي عطاء من لا يخاف الفقر كما أوسع الله عليك { ولا تبغ } أي : ولا ترد إرادة ما ، { الفساد في الأرض } بتقتير ولا تبذير ولا تكبر على عباد الله تعالى ولا تحقير ، ثم أتبع ذلك علته مؤكداً لأنّ أكثر المفسدين يبسط لهم في الدنيا وأكثر الناس يستبعد أن يبسط فيها لغير محبوب فقيل { إن الله } أي : العالم بكل شيء القدير على كل شيء { لا يحب المفسدين } أي : لا يعاملهم معاملة من يحبه ، وقيل إن القائل له هذا موسى عليه السلام ، وقيل مؤمنو قومه .