اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (77)

وثانيها : قوله : { وابتغ فِيمَا آتَاكَ } . يجوز أن يتعلق «فِيمَا آتَاكَ » ب «ابْتَغِ » ، وإن يتعلق بمحذوف على أنه حال ، أَي : متقلباً «فِيمَا آتاكَ » . و «مَا » مصدرية أو بمعنى الذي{[40810]} . والمراد{[40811]} أن يصرف المال إلى ما يؤديه إلى الجنة ، والظاهر أنه كان مقرّاً بالآخرة{[40812]} .

وثالثها : قوله : { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا } قال مجاهد وابن زيد لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة{[40813]} وقال السُّدِّي : بالصدقة وصلة الرحم{[40814]} وقال علي ألاَّ تنسى صحتك وقوة شبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة ، «قال عليه السلام{[40815]} لرجل وهو يعظه : «اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِك ، وصحَّتك قبل سَقَمِكَ ، وغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغك قَبْلَ شُغْلِكَ ، وحَيَاتكَ قَبْلَ مَوْتِكَ »{[40816]} .

قوله : { وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ } : أي : إحساناً{[40817]} كإحسانه إليك ، أي : أحسن بطاعة الله كما أحسن إليك بنعمته{[40818]} ، وقيل : أحسن إلى الناس كما أحسن الله إليك{[40819]} ، وقيل{[40820]} إنه لما أمره بالإحسان بالمال أمره بالإحسان مطلقاً ، ويدخل فيه الإعانة بالمال والجاه وطلاقة الوجه وحسن اللقاء{[40821]} .

قوله : { وَلاَ تَبْغِ الفساد فِي الأرض } ولا تطلب الفساد في الأرض{[40822]} ، وكل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض{[40823]} ، وقيل المراد ما كان عليه من الظلم والبغي{[40824]} ، و«في الأَرْض » يجوز أن يتعلق ب «تَبْغ » أو ب «الفَسَادِ » أو بمحذوف على أنه حال وهو بعيد . ثم قال : { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين } ، قيل : إن هذا القائل هو موسى{[40825]} عليه السلام{[40826]} ؛ وقيل : بل مؤمنو قومه{[40827]} .


[40810]:قاله أبو البقاء. التبيان 2/1026.
[40811]:في الأصل: والمعنى.
[40812]:انظر الفخر الرازي 25/16.
[40813]:انظر البغوي 6/362.
[40814]:المرجع السابق.
[40815]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[40816]:أخرجه البغوي بسنده عن عمرو بن ميمون الأزدي. انظر البغوي 6/362.
[40817]:إحساناً: سقط من ب.
[40818]:انظر البغوي 6/362. فتكون الكاف للتشبيه، وهو أن يكون في بعض الأوصاف، لأن مماثلة إحسان العبد لإحسان الله من جميع الصفات يمتنع أن تكون، فالتشبيه وقع في مطلق الإحسان. البحر المحيط 7/133.
[40819]:انظر البغوي 6/362. فتكون الكاف للتعليل. البحر المحيط 7/133.
[40820]:في ب: واعلم.
[40821]:انظر الفخر الرازي 25/16-17.
[40822]:في الأرض: سقط من ب.
[40823]:انظر البغوي 6/362.
[40824]:انظر الفخر الرازي 25/17.
[40825]:انظر الكشاف 3/178، الفخر الرازي 25/17.
[40826]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[40827]:انظر الفخر الرازي 25/17.