البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

صعر : مشدد العين ، لغة بني تميم . قال شاعرهم :

وكنا إذا الجبار صعر خده *** أقمنا له من ميله فيقوم

فيقوم : أمر بالاستقامة للقوافي في المخفوضة ، أي فيقوم إن قاله أبو عبيدة وانشاد الطبري فيقوما فعلاً ماضياً خطأ ، وتصاعر لغة الحجاز ، ويقال : يصعر . قال الشاعر :

أقمنا له من خده المتصعر-   -

ويقال : أصعر خده . قال الفضل : هو الميل ، وقال اليزيدي : هو التشدق في الكلام . وقال أبو عبيدة : أصل هذا من الصعر ، داء يأخذ الإبل في رؤوسها وأعناقها ، فتلتوى منه أعناقها .

{ ولا تصعر خدك للناس } : أي لا تولهم شق وجهك ، كفعل المتكبر ، وأقبل على الناس بوجهك من غير كبر ولا إعجاب ، قاله ابن عباس والجماعة .

قال ابن خويز منداد : نهى أن يذل نفسه من غير حاجة ، وأورد قريباً من هذا ابن عطية احتمالاً فقال : ويحتمل أن يريد : ولا سؤالاً ولا ضراعة بالفقر .

قال : والأول ، يعني تأويل ابن عباس والجماعة ، أظهر لدلالة ذكر الاختيال والعجز بعده .

وقال مجاهد : { ولا تصعر } ، أراد به الإعراض ، كهجره بسب أخيه .

وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم ، وزيد بن علي : تصعر ، بفتح الصاد وشد العين ؛ وباقي السبعة : بألف ؛ والجحدري : يصعر مضارع أصعر .

{ ولا تمش في الأرض مرحاً } : تقدم الكلام على هذه الجملة في سورة سبحان : { إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً } تقدم الكلام في النساء على نظير هذه الجملة في قوله : { إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً } .

ولما وصى ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذ صار هو في نفسه ممتثلاً للمعروف مزدجراً عن المنكر ، أمر به غيره وناهياً عنه غيره ، نهاه عن التكبر على الناس والإعجاب والمشي مرحاً ، وأخبره أنه تعالى لا يحب المختال ، وهو المتكبر ، ولا الفخور .

قال مجاهد : وهو الذي يعدد ما أعطي ، ولا يشكر الله .

ويدخل في الفخور : الفخر بالأنساب .