البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا} (145)

{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } قال ابن عباس : الدرك لأهل النار كالدرج لأهل الجنة ، إلا أنّ الدرجات بعضها فوق بعض ، والدركات بعضها أسفل من بعض انتهى .

وقال أبو عبيدة : الدركات الطبقات : وأصلها من الإدراك أي : هي متداركة متلاحقة .

وقال ابن مسعود وأبو هريرة : هي من توابيت من حديد متعلقة في قعر جهنم ، والنار سبع دركات ، قيل : أولها جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية .

وقد تسمى جميعها باسم الطبقة الأولى ، وبعض الطبقات باسم بعض ، لأن لفظ النار يجمعها .

وقال ابن عمر : أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون .

وتصديق ذلك في كتاب الله هذه الآية في المنافقين : و { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } { وأدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب } وإنما كان المنافق أشدّ عذاباً من غيره من الكفار لأنه مثله في الكفر ، وضم إلى الكفر الاستهزاء بالإسلام وأهله ، والمداجاة واطلاع الكفار على أسرار المسلمين فهو أشد غوائل من الكفار وأشد تمكيناً من أذى المسلمين .

وقرأ الحرميان والعربيان : في الدرك بفتح الراء .

وقرأ حمزة ، والكسائي ، والأعمش ، ويحيى بن وثاب : بسكونها ، واختلف عن عاصم .

وروى الأعمش والبرجمي : الفتح ، وغيرهما الإسكان .

قال أبو علي : وهما لغتان كالشمع والشمع ، واختار بعضهم الفتح لقولهم : في الجمع أدراك كجمل وإجمال يعني : أنه ينقاس في فعل أفعال ، ولا ينقاس في فعل .

وقال عاصم : لو كان بالفتح لقيل : السفلى .

قال بعضهم : ذهب عاصم إلى أنَّ الفتح إنما هو على أنه جمع دركة كبقرة وبقر انتهى .

ولا يلزم ما ذكره من التأنيث ، لأن الجنس المميز مفرده بهاء التأنيث ، يؤنث في لغة الحجاز ، ويذكر في لغة تميم ونجدة ، وقد جاء القرآن بهما ، إلا ما استثني لأنه يتحتم فيه التأنيث أو التذكير ، وليس دركة ودرك من ذلك ، فعلى هذا يجوز تذكير الدرك وتأنيثه .

{ ولن تجد له نصيراً } أي مانعاً من العذاب ولا شافعاً يشفع .

/خ159