قيل : من آخره على أوله ، والركس : الرجيع .
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في « الروثة هذا ركس » وقال أمية بن أبي الصلت :
فأركسوا في حميم النار أنهم *** كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا
وحكى الكسائي والنضر بن شميل : ركس وأركس بمعنى واحد أي : رجعهم .
ويقال : ركَّس مشدّداً بمعنى أركس ، وارتكس هو أي ارتجع .
بشؤمك أركستني في الخنا *** وأرميتني بضروب العنا
وأركستني عن طريق الهدى *** وصيرتني مثلاً للعدا
ركسوا في فتنة مظلمة *** كسواد الليل يتلوها فتن
{ فما لكم في المنافقين فئتين } ذكروا في سبب نزولها أقوالاً طولوا بها وملخصها : أنّهم قوم أسلموا فاستوبئوا المدينة فخرجوا ، فقيل لهم : أما لكم في الرسول أسوة ؟ أو ناس رجعوا من أحد لِما خرج الرسول ، وهذا في الصحيحين من قول زيد بن ثابت .
أو ناس بمكة تكلموا بالإسلام وهم يعينون الكفار ، فخرجوا من مكة .
قال الحسن ، ومجاهد : خرجوا الحاجة لهم ، فقال قوم من المسلمين ، اخرجوا إليهم فاقتلوهم ، فإنهم يظاهرون عدوكم .
وقال قوم : كيف نقتلهم وقد تكلموا بالإسلام ؟ رواه ابن عطية عن ابن عباس .
أو قوم قدموا المدينة وأظهروا الإسلام ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك ، أو قوم أعلنوا الإيمان بمكة وامتنعوا من الهجرة قاله : الضحاك .
أو العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا يساراً ، أو المنافقون الذين تكلموا في حديث الإفك .
وما كان من هذه الأقوال يتضمن أنهم كانوا بالمدينة ، يردّه قوله : { حتى يهاجروا في سبيل الله } إلا إنْ حملت المهاجرة على هجرة ما نهى الله عنه ، والمعنى : أنه تعالى أنكر عليهم اختلافهم في نفاق من ظهر منه النفاق أي : من ظهر منه النفاق قطع بنفاقه ، ولو لم يكونوا بادياً نفاقهم ، لما أطلق عليه اسم النفاق .
وفي المنافقين متعلق بما تعلق به لكم ، وهو كائن أي : أيّ شيء كائن لكم في شأن المنافقين .
أو بمعنى فئتين أي : فرقتين في أمر المنافقين .
وانتصب فئتين على الحال عند البصريين من ضمير الخطاب في لكم ، والعامل فيها العامل في لكم .
وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على إضمار كان أي : كنتم فئتين .
ويجيزون مالك الشاتم أي : كنت الشاتم ، وهذا عند البصريين لا يجوز ، لأنه عندهم حال ، والحال لا يجوز تعريفها .
{ والله أركسهم بما كسبوا } أي : رجّعهم وردّهم في كفرهم قاله : ابن عباس ، واختار الفراء والزجاج : أوبقهم .
روى عن ابن عباس : أو أضلهم ، قاله السدي .
أو أهلكهم قاله قتادة ، أو نكسهم قاله الزجاج .
ومن عبر به عن الإهلاك فإنه أخذ بلازم الإركاس .
ومعنى بما كسبوا أي : بما أجراه الله عليهم من المخالفة ، وذلك الاركاس هو بخلق الله واختراعه ، وينسب للعبد كسباً .
وقال الزمخشري : والله أرسكهم أي : ردّهم في حكم المشركين كما كانوا بما كسبوا من ارتدادهم ، ولحوقهم بالمشركين ، واحتيالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أو أركسهم في الكفر بأنْ خذلهم حتى ارتكسوا فيه لما علم من مرض قلوبهم انتهى .
وهو جار على عقيدته الاعتزالية ، فلا ينسب الاركاس إلى الله حقيقة ، بل يؤوّله على معنى الخذلان وترك اللطف ، أو على الحكم بكونهم من المشركين .
إذ هم فاعلو الكفر ومخترعوه ، لا الله تعالى الله عن قولهم .
وقرأ عبد الله : ركسهم ثلاثياً .
وقرئ : ركسهم ركسوا فيها بالتشديد ، قال الراغب : الركس والنكس الرذل ، والركس أبلغ من النكس ، لأن النكس ما جعل أسفله أعلاه ، والركس أصله ما رجع رجيعاً بعد أن كان طعاماً فهو كالرجس وصف أعمالهم به ، كما قال : { إنما المشركون نجس } وأركسه أبلغ من ركسه ، كما أنَّ أسقاه بلغ من سقاه انتهى .
وهذه الجملة في موضع الحال ، أنكر تعالى عليهم اختلافهم في هؤلاء المنافقين في حال أنّ الله تعالى قد ردهم في الكفر ، ومن يرده الله إلى الكفر لا يختلف في كفره .
{ أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله } هذا استفهام إنكار أي : من أراد الله ضلاله ، لا يريد أحد هدايته لئلا تقع إرادته مخالفة لإرادة الله تعالى ، ومَن قضى الله عليه بالضلال لا يمكن إرشاده ، ومن أضل الله اندرج فيه المركسون وغيرهم .
ممن أضله الله فكأنه قيل : أتريدون أن تهدوا هؤلاء المنافقين ؟ ومن أضله الله تعالى من غيرهم واندراجهم في عموم من بعد قوله : والله أركسهم ، هو على سبيل التوكيد ، إذ ذكروا أولاً على سبيل الخصوص ، وثانياً على سبيل اندراجهم في العموم .
وقال الزمخشري : أتريدون أن تجعلوا من جملة المهتدين ؟ من أضله الله من جعله من الضلال وحكم عليه بذلك ، أو خذله حتى ضل انتهى .
وهو على طريقته الاعتزالية من أنه لا ينسب الإضلال إلى الله على سبيل الحقيقة .
{ ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً } أي : فلن تجد لهدايته سبيلاً .
والمعنى : لخلق الهداية في قلبه ، وهذا هو المنفى .
والهداية بمعنى الإرشاد والتبيين ، هي للرسل .
وخرج من خطابهم إلى خطاب الرسول على سبيل التوكيد في حق المختلفين ، لأنه إذا لم يكن له ذلك ، فالأحرى أن لا يكون ذلك لهم .
وقيل : من يحرمه الثواب والجنة لا يجد له أحد طريقاً إليهما .
وقيل : من يهلكه الله فليس لأحد طريق إلى نجاته من الهلاك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.