البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ} (59)

{ ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } : هذا وصف لحال المستقيمين في دينهم ، أي رضوا قسمة الله ورسوله وقالوا : كفانا فضل الله ، وعلقوا آمالهم بما سيؤتيه الله إياهم ، وكانت رغبتهم إلى الله لا إلى غيره .

وجواب لو محذوف تقديره : لكان خيراً لهم في دينهم ودنياهم .

وكان ذلك الفعل دليلاً على انتقالهم من النفاق إلى محض الإيمان ، لأنّ ذلك تضمن الرضا بقسم الله ، والإقرار بالله وبالرسول إذ كانوا يقولون : سيؤتينا الله من فضله ورسوله .

وقيل : جواب لو هو قوله : وقالوا على زيادة الواو ، وهو قول كوفي .

قال الزمخشري : والمعنى : ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفوسهم وإن قل نصيبهم ، وقالوا : كفانا فضل الله تعالى وصنعه ، وحسبنا ما قسم لنا سيرزقنا غنيمة أخرى ، فسيؤتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما آتانا اليوم ، إنا إلى الله في أنْ يغنمنا ويخولنا فضله راغبون انتهى .

وقال ابن عباس : راغبون فيما يمنحنا من الثواب ويصرف عنا من العقاب .

وقال التبريزي : راغبون في أن يوسع علينا من فضله ، فيغنينا عن الصدقة وغيرها مما في أيدي الناس .

وقيل : ما آتاهم الله بالتقدير ، ورسوله بالقسم انتهى .

وأتى أولاً بمقام الرضا وهو فعل قلبي يصدر عمن علم أنه تعالى منزه عن العتب والخطأ عليم بالعواقب ، فكل قضائه صواب وحق ، لا اعتراض عليه .

ثم ثنى بإظهار آثار الوصف القلبي وهو الإقرار باللسان ، فحسبنا ما رضي به .

ثم أتى ثالثاً بأنه تعالى ما داموا في الحياة الدنيا مادّ لهم بنعمه وإحسانه ، فهو إخبار حسن إذ ما من مؤمن إلا ونعمُ الله مترادفة عليه حالاً ومآلاً ، إما في الدنيا ، وإما في الآخرة .

ثم أتى رابعاً بالجملة المقتضية الالتجاء إلى الله لا إلى غيره ، والرغبة إليه ، فلا يطلب بالإيمان أخذ الأموال والرئاسة في الدنيا ولما كانت الجملتان متغايرتين وهما ما تضمن الرضا بالقلب ، وما تضمن الإقرار باللسان ، تعاطفتا .

ولما كانت الجملتان الأخيرتان من آثار قولهم : حسبنا الله لم تتعاطفا ، إذ هما كالشرح لقولهم : حسبنا الله ، فلا تغاير بينهما .