البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ} (3)

والظاهر أن { ألف شهر } يراد به حقيقة العدد ، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام .

والحسن : في ليلة القدر أفضل من العمل في هذه الشهور ، والمراد : { خير من ألف شهر } عار من ليلة القدر ، وعلى هذا أكثر المفسرين .

وقال أبو العالية : { خير من ألف شهر } : رمضان لا يكون فيها ليلة القدر .

وقيل : المعنى خير من الدهر كله ، لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء كلها ، قال تعالى : { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة } يعني جميع الدهر .

وعوتب الحسن بن عليّ على تسليمه الأمر لمعاوية فقال : إن الله تعالى أرى في المنام نبيه صلى الله عليه وسلم بني أمية ينزون على مقبرة نزو القردة ، فاهتم لذلك ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر ، وهي خير من مدة ملوك بني أمية ، وأعلمه أنهم يملكون هذا القدر من الزمان .

قال القاسم بن الفضل الجذامي : فعددنا ذلك فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً .

وخرج قريباً من معناه الترمذي وقال : حديث غريب ، انتهى .

وقيل : آخر ملوكهم مروان الجعدي في آخر هذا القدر من الزمان ، ولا يعارض هذا تملك بني أمية في جزيرة الأندلس مدة غير هذه ، لأنهم كانوا في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب ، بحيث كان في إقليم العرب إذ ذاك ملوك كثيرون غيرهم .

وذكر أيضاً في تخصيص هذه المدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فعجب المؤمنون من ذلك وتقاصرت أعمالهم ، فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي .

وقيل : إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد الله تعالى ألف شهر ، فأعطوا ليلة ، إن أحيوها ، كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد .

وقال أبو بكر الوراق : ملك كل من سليمان وذي القرنين خمسمائة سنة ، فصار ألف شهر ، فجعل الله العمل في هذه الليلة لمن أدركها خيراً من ملكهما .