السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ} (3)

ثم ذكر الله تعالى فضلها من ثلاثة أوجه : أحدها : ما ذكره بقوله سبحانه : { ليلة القدر } أي : التي خصصناها بإنزالنا فيها { خير من ألف شهر } ليس فيها ليلة القدر ، فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها ليلة قدر . وعن ابن عباس رضي الله عنهما «ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر ، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ، وتمنى ذلك لأمّته ، فقال : يا رب ، جعلت أمتي أقصر الأمم أعماراً وأقلها أعمالاً ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر ، فقال تعالى : { ليلة القدر خير من ألف شهر } التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة » ، أي : فهي من خصائص هذه الأمة .

وعن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي يبلغ غيرهم ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر . وقيل : إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد الله تعالى ألف شهر ، فأعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد ، وهي أفضل ليالي السنة ، ويدخل في ذلك ليلة الإسراء ، فهي أفضل منها إن لم تكن ليلة الإسراء ليلة القدر ، كما قيل : إن الإسراء كان في رمضان ، وإنما كان كذلك لما يريد الله تعالى فيها من المنافع ، فيكتب فيها جميع خير السنة وشرّها ورزقها وأجلها وبلائها ورخائها ومعاشها إلى مثلها من السنة ، ولا يشكل ذلك بما قيل : إن الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى ، لما ورد أنّ الله تعالى يأمر بنسخ ما يكون في السنة من الآجال والأمراض والأرزاق ونحوها في ليلة النصف من شعبان ، فإذا كان ليلة القدر فيسلمها إلى أربابها . وقيل : يقدّر في ليلة النصف من شعبان الآجال والأمراض ، وفي ليلة القدر الأمور التي فيها الخير والبركة والسلامة .