الخامسة : معنى كونها خيراً من ألف شهر أن العبادة فيها خير من ألف شهر ليس فيها هذه الليلة ، وذلك لما فيها من الخيرات والبركاتج وتقدير الأرزاق والمنافع الدينية والدنيوية . وقال مجاهد : كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد حتى يمسي ، فعل ذلك ألف شهر ، فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من ذلك ، فأنزل الله تعالى السورة ، فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي ، ويؤيده ما روي عن مالك بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس فاستقصر أعمار أمته ، وخاف أن لا يبلغوا من الأعمال مثل ما بلغه سائر الأمم ، فأعطاه الله ليلة هي خير من ألف شهر لسائر الأمم . وقيل : إن الرجل فيما مضى ما كان يستحق اسم العابد حتى يعبد الله ألف شهر . وذكر القاسم بن فضل عن عيسى بن مازن قال : قلت للحسن بن علي رضي الله عنه : يا مسود وجوه المؤمنين عمدت إلى هذا الرجل فبايعته - يعني معاوية - فقال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري في منامه بني أمية يطؤون منبره واحداً بعد واحد - وفي رواية : ينزون على منبره نزو القردة - فشق ذلك عليه ، فأنزل الله تعالى { إنا أنزلناه } إلى قوله { خير من ألف شهر } يعني ملك بني أمية " . قال القاسم : فحسبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر لا يزيد ولا ينقص ، وزيف بأن أيامهم كانت مذمومة ، فكيف تذكر في مقام التعظيم ؟ وأجيب بأنها كانت أياماً عظيمة بحسب السعادات الدنيوية ، فلا يمتنع أن يقول الله تعالى : أعطيتك ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من تلك الأيام في بابها .
السادسة : في الآية بشارة عظيمة للمطيعين ، وتهديد بليغ للعاصين . أما الأول فلأنه تعالى ذكر أن هذه الليلة خير من ألف شهر ، ولم يبين قدر الخيرية ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : " مبارزة علي مع عمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة " ، وكأنه قال : هذا لك بذلك ، والباقي عليّ ، أعطيتك به ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . فمن أحيا ليلة القدر فكأنه عبد الله نيفاً وثمانين سنة ، ومن أحياها كل سنة فكأنه رزق أعماراً كثيرة ، ومن أحيا ليالي الشهر لينالها بيقين فكأنه أحيا ليلة القدر ثلاثين قدراً . يروى أنه يجاء يوم القيامة بالإسرائيلي الذي عبد الله أربعمائة سنة ، ويجاء برجل من هذه الأمة وقد عبد الله أربعين سنة ، فيكون ثوابه أكثر . فيقول الإسرائيلي : أنت العدل ، وأرى ثوابه أكثر ، فيقول : لأنكم تخافون العقوبة المعجلة فعبدتموني ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا آمنين لقوله : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } [ الأنفال :33 ] ثم إنهم كانوا يعبدونني فلهذا السبب كانت عباداتهم أفضل ، وأما التهديد فلأن الظالم لا يخلصه من المظلوم أحد ، وإن أحيا مائة ليلة من القدر ، وكذا من عنده مظلمة لأحد وإن كانت بتطفيف حبة . السابعة : إنه صح عن رسول الله قوله : " أجرك على قدر نصبك " ، ومن المعلوم أن الطاعة في ألف شهر أشق من الطاعة في ليلة واحدة ، فما التوفيق بين الحديث والآية ؟ والجواب أن الفعل الواحد قد يختلف حاله في الحسن والقبح بسبب اختلاف الاعتبارات الشرعية أو العقلية . فصلاة الجماعة أقل من صلاة الفرد بكذا درجة ؛ لأجل شرف الاجتماع . ولو قلت لمن يرجم : إنما يرجم لأنه زانٍ فهو قول حسن ، ولو قلته للنصراني فقذف يوجب التعزير ، ولو قلته للمحصن فهو موجب للحد ، ولو قلته في حق عائشة كان كفراً وبهتاناً عظيماً ، وذلك لأنه طعن في حق عائشة التي كانت رجلاً في العلم لقوله : " خذوا ثلثي دينكم من هذه الحميراء " ، وطعن في صفوان - وهو رجل بدري - وطعن في كافة المؤمنين ؛ لأنها أم المؤمنين ، وللولد حق المطالبة بقذف الأم وإن كافراً ، بل طعن في النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف المخلوقات ، بل طعن في حكمة الله ؛ إذا لا يجوز أن يتركه حتى يتزوج بامرأة زانية ، فتبين أن الأفعال تختلف آثارها في الثواب والعقاب باختلاف الجهات ، وبحسب الأزمنة والأمكنة ، وذلك من فضل الله وعنايته بمخلوقاته على حسب مشيئته وإرادته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.