فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ} (3)

ثم بين فضلها من ثلاثة أوجه : أولها قوله { ليلة القدر خير من ألف شهر } وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، قال كثير من المفسرين : أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، واختار هذا الفراء والزجاج ، وذلك أن الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيها من الخير والنفع ، فلما جعل الله الخير الكثير في ليلة كانت خيرا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما في هذه الليلة .

وقيل : أراد بقوله ألف شهر جميع الدهر ؛ لأن العرب تذكر الألف في كثير من الأشياء على طريق المبالغة ، وقيل : وجه ذكر ألف شهر أن العابد كان فيما مضى لا يسمى عابدا حتى يعبد الله ألف شهر ، فجعل الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عبادة ليلة خيرا من عبادة ألف شهر كانوا يعبدونها .

وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أعمار أمته قصيرة فخاف أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر ، وجعلها خيرا من ألف شهر لسائر الأمم ، وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته .

عن أنس في الآية قال : العمل في ليلة القدر والصدقة والصلاة والزكاة أفضل من ألف شهر ، وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أرى بني أمية على منبره فساءه ذلك ، فنزلت { إنا أعطيناك الكوثر } يا محمد يعني نهر في الجنة ، ونزلت { إنا أنزلناه في ليلة القدر } إلى قوله { ألف شهر } يملكها بعدك بنو أمية ، قال القاسم : فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص يوما " ، والمراد بالقاسم هو القاسم بن الفضل المذكور في إسناده ، أخرجه الترمذي - وضعفه - وابن جرير والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي .

قال الترمذي : إن يوسف هذا مجهول - يعني يوسف بن سعد الذي رواه عن الحسن بن علي- قال ابن كثير : فيه نظر ، قد روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة الحذاء ، ويونس بن عبيد ، وقال فيه يحيى بن معين : هو مشهور ، وفي رواية عنه هو ثقة ، ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل ، عن عيسى بن مازن .

قال ابن كثير : ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدا ، قال المزني : هو حديث منكر .

وقول القاسم بن الفضل : إنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر إلخ ليس بصحيح ، فإن جملة مدتهم من عند أن استقل بالملك معاوية - وهي سنة أربعين - إلى أن سلبهم الملك بنو العباس ، وهي سنة اثنتين وثلاثين ومائة مجموعها اثنتان وتسعون سنة ، وعن ابن عباس نحو ما روي عن الحسن بن علي ، وعن سعيد بن المسيب مرفوعا مرسلا نحوه .