{ أصحاب النار } : أي خزنتها مالك وثمانية عشر معه .
{ إلا ملائكة } : أي لم نجعلهم بشراً ولا جنَّاً حتى لا يرحموهم بحكم الجنس .
{ وما جعلنا عدتهم } : أي كونهم تسعة عشر .
{ إلا فتنة للذين كفروا } : أي ليستخفوا بهم كما قال أبو الأشُدين الجُمحي فيزدادوا ضلالا .
{ ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } : أي ليحصل اليقين لأهل التوراة والإِنجيل بموافقة القرآن لكتابيهما التوراة والإِنجيل .
{ ولا يرتاب } : أي ولا يشك أهل الكتاب والمؤمنون في حقيقة ذلك .
{ وليقول الذين في قلوبهم مرض } : أي مرض النفاق .
{ ماذا أراد الله بهذا مثلا } : أي أي شيء أراد الله بهذا العدد الغريب استنكاراً منهم .
{ كذلك } : أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء .
{ وما هي إلا ذكرى للبشر } : أي وما النار إلا ذكرى للبشر يتذكرون بها .
قوله تعالى { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } هذه الآية نزلت ردّاً على أبي الأشُدين كلدة الجمحي الذي قال لما سمع قول الله تعالى : { وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر } قال لقريش ساخراً مستهزئاً أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين ، ومرة قال أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة . فأنزل الله تعالى قوله { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } أي لم نجعلهم بشراً ولا جنَّا حتى لا يرحموا أهل النار بخلاف لو كانوا بشرا قد يرحمون بني جنسهم ولو كانوا جنا فكذلك ، ولذا جعلهم من الملائكة فلا تناسب بينهم وبين الإِنس والجن والمراد بأصحاب النار خزنتها وهم مالك وثمانية عشر هؤلاء رؤساء في جهنم أما من عداهم فلا تتسع لهم العبارة ولا حتى الرقم الحسابي وكيف وقد قال تعالى { وما يعلم جنود ربك لا هو } ، وقوله { وما جعلنا عدتهم } أي كونهم تسعة عشر { إلا فتنة للذين كفروا } ليزدادوا ضلالا وكفرا وقد تم هذا فإن أبا جهل كأبي الشدين قد فتنا بهذا العدد وازدادا ضلالا وكفرا بما قالا ، وقوله تعالى { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } أي أخبرنا عن عددهم وأنه تسعة عشر ليستيقن الذين أوتوا الكتاب لموافقة القرآن لما عندهم في كتابهم . ويزداد الذين آمنوا إيمانا فوق إيمانهم عندما يرون أن التوراة موافقة للقرآن الكريم كشاهد له ، وقوله { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } أي حتى لا يقعوا في ريب وشك في يوم من الأيام لما اكتسبوا من المناعة بتضافر الكتابين على حقيقة واحدة .
وقوله { وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا } أي وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا ليقول الذين في قلوبهم مرض وهو النفاق والشك والكافرون الكفر الظاهر من قريش وغيرهم ماذا أراد الله بهذا مثلا أي أي شيء أراده الله بهذا الخبر الغريب غرابة الأمثال قالوا هذا استنكارا وتكذيبا . فهذه جملة علل ذكرها تعالى لإِخباره عن زبانية جهنم ثم قال وقوله الحق { كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهُدَى مصدقه يضل الله من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته . وقوله تعالى { وما يعلم جنود ربك إلا هو } هذا جواب أبي جهل القائل أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر استخفافا وتكذيبا فأخبر تعالى أن له جنوداً لا يعلم عددها ولا قوتها غلا هو وقد ورد أن لأحدهم مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم ، ولا عجب أربعة ملائكة يحملون العرش الذي هو أكبر من السموات والأرضين فسبحان الخلاق العليم سبحان الله العزيز الرحيم سبحان الله ذي الجبروت والملكوت . وقوله تعالى وما هي أي جهنم إلا ذكرى للبشر أي تذكرة يذكرون بها عظمة الله ويخافون بها عقابه .
{ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } سبب الآية أنه لما نزل { عليها تسعة عشر } قال أبو جهل : أيعجز عشرة منكم عن واحد من هؤلاء التسعة عشر أن يبطشوا به ، فنزلت الآية ومعناها أنهم ملائكة لا طاقة لكم بهم وروي : أن الواحد منهم يرمي بالجبل على الكفار .
{ وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } أي : جعلناهم هذا العدد ليفتتن الكفار بذلك ويطمعوا أن يغلبوهم ويقولون ما قالوا : { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } أي : ليعلم أهل التوراة والإنجيل أن ما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم من عدد ملائكة النار حق لأنه موافق لما في كتبهم .
{ الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } أن ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم حق ، فإن قيل : كيف نفى عنهم الشك بعد أن وصفهم باليقين : والمعنى واحد وهو تكرار ؟ فالجواب : أنه لما وصفهم باليقين نفى عنهم أن يشكوا فيما يستقبل بعد يقينهم الحاصل الآن فكأنه وصفهم باليقين في الحال والاستقبال ، وقال الزمخشري : ذلك مبالغة وتأكيد .
{ وليقول الذين في قلوبهم مرض } المرض عبارة عن الشك وأكثر ما يطلق الذين في قلوبهم مرض على المنافقين فإن قيل : هذه السورة مكية ولم يكن حينئذ منافقون وإنما حدث المنافقون بالمدينة ، فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن معناه يقول المنافقون إذا حدثوا ففيه إخبار بالغيب .
والآخر : أن يريد من كان بمكة من أهل الشك ، وقولهم ماذا أراد الله بهذا مثلا : استبعاد لأن يكون هذا من عند الله عددا قليلا ومنهم عددا كثيرا حسبما أراد الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.