أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا} (53)

شرح الكلمات :

{ يا أيها الذين آمنوا } : أي يا من صدقوا بالله وعده ووعيده وبالرسول وما جاء به .

{ إلا أن يؤذن لكم } : أي في الدخول بأن يدعوكم إلى طعام .

{ غير ناظرين إناه } : أي غير منتظرين وقت نضجه أي فلا تدخلوا قبل وقت إحضار الطعام وتقدم المدعوين إليه بأن يستغل أحدكم الإذن بالدعوة للطعام فيأتي قبل الوقت ويجلس في البيت فيضايق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله .

{ فإذا طعمتم فانتشروا } : أي إذا أكلتم الطعام وفرغتم فانتشروا عائدين إلي بيوتكم أو أعمالكم ولا يبق منكم أحد .

{ ولا مستأنسين لحديث } : أي ولا تمكثوا مستأنسين لحديث بعضكم بعضاً .

{ إن ذلكم كان يؤذي النبي } : أي ذلكم المكث في بيوت النبي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم .

{ فيستحي منكم } : أي أن يخرجكم .

{ والله لا يستحي من الحق } : أن يقوله ويأمر به ولذا أمركم أن تخرجوا .

{ من وراء حجاب } : أي ستر كباب ورداء ونحوه .

{ أطهر لقلوبكم وقلوبهن } : أي من الخواطر الفاسدة .

{ إن ذلكم كان عند الله عظيما } : أي إن أذاكم لرسول الله كان عند الله ذنباً عظيما .

المعنى :

لما بين تعالى لرسوله ما ينبغي له مراعاته من شأن أزواجه أمهات المؤمنين بين تعالى بهذه الآية ( 53 ) ما يجب على المؤمنين مراعاته أيضا نحو أزواج النبي أمهاتهم فقال { يا أيها الذين آمنوا } حقا وصدقا { لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم } بالدخول غلى طعام تطعمونه غير ناظرين إناه أي وقته ، وذلك أن هذه الآية والمعروفة بآية الحجاب نزلت في شأن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أكلوا طعام الوليمة التي أقامها رسول الله لما زوجّه الله بزينب بنت جحش رضي الله عنها ، وكان الحجاب ما فرض بعد على النساء مكثوا بعد انصراف الناس يتحدثون فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أمامهم لعلهم يخرجون فما خرجوا وتردد رسول الله على البيت فيدخل ويخرج رجاء أن يخرجوا معه فلم يخرجوا واستحى صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هيا فاخرجوا . فأنزل الله تعالى هذه الآية فقوله تعالى غير ناظرين إناه يعني ذلك النفر ومن يريد أن يفعل فعلهم فإذا وجه إليه أخوه استدعاء لحضور وليمة بعد الظهر مثلاً أتى إلى المنزل من قبل الظهر يضايق أهل المنزل فهذا معنى غير ناظرين إناه أي وقته لأن الإِنى هو الوقت .

وقوله ولكن إذا دعيتم فادخلوا أي فلا تدخلوا بدون دعوة أو إذن فإذا طعمتم أي فرغتم من الأكل فانصرفوا منتشرين في الأرض فهذا إلى بيته وهذا إلى بيت ربه وهذا إلى عمله . وقوله : { ولا مستأنسين لحديث } أي ولا تمكثوا بعد الطعام يحدث بعضكم بعضاً مستأنسين بالحديث . حرم تعالى هذا عليكم أيها المؤمنون لأنه يؤذى رسوله . وان كان الرسول لكمال أخلاقه لا يأمركم بالخروج حياءً منكم فالله لا يستحي من الحق فلذا أمركم بالخروج بعد الطعام مراعاة لمقام رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى : { وإذا سألتموهن متاعاً } أي طلبتم شيئاً من الأمتعة التي توجد في البيت كإِناء ونحوه فاسألوهن من وراء حجاب أي باب وستر ونحوهما لا مواجهة لحرمة النظر إليهن . وقوله ذلكم أطهر لقلوبكم أنتم أيها الرجال وقلوبهن أيتها الأمهات أطهر أي من خواطر السوء الفاسدة التي لا يخلو منها قلب الإِنسان إذا خاطب فحل أنثى أو خاطبت امرأة فحلا من الرجال .

وقوله تعالى : { وما كان لكم } أي ما ينبغي ولا يصح أن تؤذوا رسول الله أي أذىً ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أي ولا أن تتزوجوا بعد وفاته نساءه فإنهن محرمات على الرجال تحريم الأُمهات تحريماً مؤبداً لا يحل بحال ، وقوله تعالى : { إن ذلكم } أي المذكور من أذى رسول الله والزواج من بعده بنسائه كان عند الله أي في حكمه وقضائه وشرعه ذنباً عظيماً لا يقادر قدره ولا يعرف مدى جزائه وعقوبته إلا الله .

هذا ما دلت عليه الآية الأولى ( 53 ) .

الهداية :

من الهداية :

- بيان ما ينبغي للمؤمنين أن يلتزموه من الآداب في الاستئذان والدخول على البيوت لحاجة الطعام ونحوه .

- بيان كمال الرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه في أنه ليستحي أن يقول لضيفه أُخرج من البيت فقد انتهى الطعام .

- وصف الله تعالى نفسه بأنه لا يستحي من الحق أن يقوله ويأمر به عباده .

- مشروعية مخاطبة الأجنبية من وراء حجاب ستر ونحوه .

- حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها جريمة كبرى لا تعادل بأخرى .

- بيان أن الإِنسان لا يخلو من خواطر السوء إذا كلم المرأة ونظر إليها .

- حرمة نكاح أزواج الرسول بعد موته وحرمة الخاطر يخطر بذلك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا} (53)

{ 53 - 54 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا * إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }

يأمر تعالى عباده المؤمنين ، بالتأدب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، في دخول بيوته فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ } أي : لا تدخلوها بغير إذن للدخول فيها ، لأجل الطعام . وأيضًا لا تكونوا { نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أي : منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه ، أو سعة صدر بعد الفراغ منه . والمعنى : أنكم لا تدخلوا بيوت النبي إلا بشرطين :

الإذن لكم بالدخول ، وأن يكون جلوسكم بمقدار الحاجة ، ولهذا قال : { وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } أي : قبل الطعام وبعده .

ثم بين حكمة النهي وفائدته فقال : { إِنَّ ذَلِكُمْ } أي : انتظاركم الزائد على الحاجة ، { كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ } أي : يتكلف منه ويشق عليه حبسكم إياه عن شئون بيته ، واشتغاله فيه { فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ } أن يقول لكم : { اخرجوا } كما هو جاري العادة ، أن الناس -وخصوصًا أهل الكرم منهم- يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم ، { و } لكن { اللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ }

فالأمر الشرعي ، ولو كان يتوهم أن في تركه أدبا وحياء ، فإن الحزم كل الحزم ، اتباع الأمر الشرعي ، وأن يجزم أن ما خالفه ، ليس من الأدب في شيء . واللّه تعالى لا يستحي أن يأمركم ، بما فيه الخير لكم ، والرفق لرسوله كائنًا ما كان .

فهذا أدبهم في الدخول في بيوته ، وأما أدبهم معه في خطاب زوجاته ، فإنه ، إما أن يحتاج إلى ذلك ، أو لا يحتاج إليه ، فإن لم يحتج إليه ، فلا حاجة إليه ، والأدب تركه ، وإن احتيج إليه ، كأن يسألن متاعًا ، أو غيره من أواني البيت أو نحوها ، فإنهن يسألن { مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } أي : يكون بينكم وبينهن ستر ، يستر عن النظر ، لعدم الحاجة إليه .

فصار النظر إليهن ممنوعًا بكل حال ، وكلامهن فيه التفصيل ، الذي ذكره اللّه ، ثم ذكر حكمة ذلك بقوله : { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } لأنه أبعد عن الريبة ، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر ، فإنه أسلم له ، وأطهر لقلبه .

فلهذا ، من الأمور الشرعية التي بين اللّه كثيرًا من تفاصيلها ، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته ، ممنوعة ، وأنه مشروع ، البعد عنها ، بكل طريق .

ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة : { وَمَا كَانَ لَكُمْ } يا معشر المؤمنين ، أي : غير لائق ولا مستحسن منكم ، بل هو أقبح شيء { أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ } أي : أذية قولية أو فعلية ، بجميع ما يتعلق به ، { وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } هذا من جملة ما يؤذيه ، فإنه صلى اللّه عليه وسلم ، له مقام التعظيم ، والرفعة والإكرام ، وتزوج زوجاته [ بعده ]{[719]}  مخل بهذا المقام .

وأيضا ، فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة ، والزوجية باقية بعد موته ، فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده ، لأحد من أمته . { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا } وقد امتثلت هذه الأمة ، هذا الأمر ، واجتنبت ما نهى اللّه عنه منه ، وللّه الحمد والشكر .


[719]:- زيادة من: ب.