الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا} (53)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبي إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ ناظرين إناه } [ الأحزاب : 53 ] .

هذهِ الآيةُ تُضمنتُ قِصَّتَيْنِ : إحداهما : الأدبُ في أمر الطَّعَامِ والجلوسِ ، والثانيةُ : أمرُ الحجَاب .

قال الجمهور : سببُها أن النّبي صلى الله عليه وسلم لما تزوَّج زَيْنبَ بِنْتَ جَحْشٍ ، أَوْلَمْ عَلَيْها ودَعَا النَّاسَ ، فَلَمَّا طَعِمُوا ، قَعَدَ نَفَرٌ فِي طَائِفَةٍ مِنَ البَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ ، فَثَقُلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَانُهُمْ ، فَخَرَجَ لِيَخْرُجُوا بِخُرُوجِهِ ، وَمَرَّ على حِجْرِ نِسَائِهِ ، ثُمَّ عَادَ فَوَجَدَهُمْ فِي مَكَانِهِمْ ، وَزَيْنَبُ فِي البَيْتِ مَعَهُمْ ، فَلَمَّا دَخَلَ وَرَآهُمُ ، انْصَرَفَ ، فَخَرَجُوا عِنْدَ ذَلِكَ ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : فَعَلِمَ أَوْ أَعْلَمْتُهُ بانصرافهم ، فَجَاءَ ، فَلَمَّا وَصَلَ الحُجْرَةَ ، أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ؛ وَدَخَلَ ، وَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ بِسَبَبِ ذَلِكَ .

قال إسماعيل بن أبي حكيم : هذا أَدَّبَ اللّه به الثُّقَلاء ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ وجماعةٌ : سببُ الحِجَابِ : كلامُ عُمَر للنبي صلى الله عليه وسلم مراراً في أن يَحجُبَ نساءَه ، و{ ناظرين } معناه : مُنتَظِرينَ ، و{ أناه } : مصدر «أنى » الشيءَ يَأْنى أنيْ ، إذا فَرَغَ وحَانَ ، ولفظُ البخاري يُقَال : إناه : إدراكُه أنى يأني إناءة ، انتهى .

وقوله تعالى : { والله لاَ يَسْتَحْيِ مِنَ الحق } معناه : لا يقع منه تركُ الحق ، ولما كان ذلك يقعُ من البشر لِعلةِ الاسْتِحياءِ نَفَى عنه تعالى العلةَ الموجِبةَ لذلكَ في البشر ، وعن ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم : ( ثَلاَثٌ لاَ يحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ لاَ يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْماً فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ فَإنْ فَعَلَ ، فَقَدْ خَانهُمْ ، وَلاَ يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أنْ يَسْتَأْذِنَ فَإنْ فَعَلَ ، فَقَدْ خَانَ ، وَلاَ يُصَلِّي وَهُوَ حَاقِنٌ حتى يَتَخَفَّفُ ) رواه أبو داود واللفظ له ، وابن ماجه ، والترمذي ، وقال الترمذي : حديثٌ حسنٌ ، ورواه أبو داود أيضاً من حديث أبي هريرة ، انتهى من «السلاح » .

وقوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ متاعا } هي آية الحجَابِ ، والمتَاعُ عام في جميع ما يمكن أن يُطْلَب من المَواعِينِ وَسائر المرَافِق ، وباقي الآية بيِّنٌ . وقد تقدَّم في سورة النور طَرْفٌ من بَيَانِه فَأَغْنَى عن إعادته .