لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا} (53)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم } الآية قال أكثر المفسرين نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بن جحش حين بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ق ) عن أنس بن مالك : أنه كان ابن عشر سنين مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، قال فكانت أم هانئ تواظبني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخدمته عشر سنين وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة ، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل ، وكان أول ما نزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش حين أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروساً فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا ، وبقي رهط عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا ، فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس ولم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت ، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة ، وظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب زاد في رواية قال دخل يعني النبي صلى الله عليه وسلم البيت وأرخى الستر ، وإني لفي الحجرة وهو يقول { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم } إلى قوله { والله لا يستحيي من الحق } ( ق ) عن عائشة « أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل ، إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح ، وكان عمر رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ، احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فنادها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب » المناصع المواضع الخالية ، لقضاء الحاجة من البول أو الغائط والصعيد وجه الأرض والأفيح الواسع ( ق ) ، عن أنس وابن عمر أن عمر قال « وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وقلت : يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت الآية الحجاب واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت كذلك . وقال ابن عباس : إنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام قبل أن يدرك ثم يأكلون ، ولا يخرجون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم ، فنزلت الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم } يعني إلا أن تدعوا { إلى طعام } فيؤذن لكم فتأكلون { غير ناظرين إناه } يعني منتظرين نضجه ووقت إدراكه { ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم } أي أكلتم الطعام { فانتشروا } أي فاخرجوا من منزله وتفرقوا { ولا مستأنسين لحديث } أي لا تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض ، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك { إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم } أي فيستحيي من إخراجكم { والله لا يستحيي من الحق } أي لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال ، وقيل : لا يستحيي من الحق بمعنى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم وهذا أدب أدب الله به الثقلاء ، وقيل : بحسبك من الثقلاء أن الله لم يحتملهم { وإذا سألتموهن متاعاً } أي وإذا سألتم نساء النبي صلى الله عليه وسلم حاجة { فاسألوهن من وراء حجاب } أي من وراء ستر فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم متنقبة كانت أو غير متنقبة { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } أي من الريب { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } أي ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً } نزلت في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال إذا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأنكحن عائشة . قيل هو طلحة بن عبيد الله فأخبر الله أن ذلك محرم ، وقال { إن ذلكم كان عند الله عظيماً } أي ذنباً عظيماً وهذا من إعلام تعظيم الله لرسوله الله صلى الله عليه وسلم ، وإيجاب حرمته حياً وميتاً وإعلامه بذلك مما طيب نفسه وسر قلبه واستفرغ شكره فإن من الناس من تفرط غيرته على حرمه حتى يتمنى لها الموت قبله لئلا تنكح بعده .