غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا} (53)

41

ثم عاد إلى إرشاد الأمة ، وحالهم مع النبيّ إما حال الخلوة فالواجب هناك احترام أهله وأشار إليه بقوله { لا تدخلوا } وإما حال الملأ فالواجب وقتئذ التعظيم بكل ما أمكن وذلك قوله { إن الله وملائكته } كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه فقيل : لا تدخلوا يا هؤلاء المتحينون للطعام إلا وقت الإذن أي مأذونين وإلا غير ناظرين إناه . وإنى الطعام إدراكه ، أنى الطعام إنى نحو قلاه قلى . وقيل : أناه وقته فقد تلخص أن الإذن مشروط بكونه إلى طعام فلزم منه أن لا يجوز الدخول إذا لم يكن الإذن إلى طعام كالدخول بالإذن لاستماع كلام مثلاً ، فأجيب بأن الخطاب مع قوم كانوا موصوفين بالتحين للطعام فمنعوا من الدخول في وقته من غير إذن . وجوز بعضهم أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي لا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم فلا يكون منعاً من الدخول في غير وقت الطعام بغير الإذن والأوّل أولى . ولا يشترط في الإذن التصريح به إذا حصل العلم بالرضا جاز الدخول ولهذا قيل { إلا أن يؤذن } على البناء للمفعول ليشمل إذن الله وإذن الرسول أو العقل المؤيد بالدليل . وقوله { فانتشروا } للوجوب وليس كقوله فإذا قضيت الصلاة فانتشروا } [ الجمعة : 10 ] وذلك للدليل العقلي على أن بيوت الناس لا تصلح للمكث بعد الفراغ مما دعي لأجله ، وللدليل العقلي وذلك قوله { ولا مستأنسين لحديث } وهو مجرور معطوف على { ناظرين } أو منصوب على الحال أي لا تدخلوها هاجمين ولا مستأنسين . يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على زينب بتمر وسويق وشاة وأمر أنساً أن يدعو بالناس فترادفوا أفواجا إلى أن قال : يا رسول الله دعوت حتى ما أجد أحد أدعوه . فقال : ارفعوا طعامكم وتفرق الناس وبقي ثلاثة نفر يتحدّثون فأطالوا فقام رسول الله ليخرجوا فانطلق غلى حجرة عائشة فقال : السلام عليكم أهل البيت فقالوا : وعليك السلام يا رسول الله كيف وجدت أهلك ؟ وطاف بالحجرات فسلم عليهن ودعون له ورجع فإذا الثلاثة جلوس يتحدّثون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحياء وذلك قوله { إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم } أي من إخراجكم ، فلما رأوه متولياً خرجوا فرجع فنزلت الآية ناهية للثقلاء أي يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدّثه به أو يستأنسون حديث أهل البيت واستماعه . ومعنى { لا يستحي } لا يمتنع ولا يترك كما مر في أول البقرة . والضمير في { سألتموهن } لنساء النبيّ بقرينة الحال . قال الراوي : إن عمر كان يحب ضرب الحجاب عليهن محبة شديدة وكان يقول : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت . والمتاع الماعون وما يحتاج إليه . وثاني مفعولي { فاسألوهن } محذوف وهو المتاع المدلول عليه بما قبله . { ذلكم } الذي ذكر من السؤال من وراء الحجاب { أطهر } لأجل قلوبكم لأن العين روزنة القلب ومنها تنشأ الفتنة غالباً . وروي أن بعضهم قال : نهينا أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد لأتزوجن فلانة عنى عائشة ، فأعلم الله أن ذلك محرم بقوله { وما كان } أي وما صح { لكم أن تؤذوا رسول الله } بوجه من الوجوه { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم } الإيذاء والنكاح { كان عند الله } ذنباً { عظيماً } لأن حرمة الرسول ميتاً كحرمته حياً .

/خ73