بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا} (53)

قوله عز وجل : { يا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي } وذلك أن أناساً من المسلمين كانوا يتحينون غذاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدخلون عليه بغير إذن ، ويجلسون وينتظرون الغداء ، وإذا أكلوا جلسوا طويلاً ، ويتحدثون طويلاً ، فأمرهم الله عز وجل بحفظ الأدب فقال : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي } { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ } يعني : إلا أن يدعوكم ويأذن لكم في الدخول { غَيْرَ ناظرين إناه } يعني : من غير أن تنتظروا وقته . ويقال : أصله إدراك الطعام يعني : غير ناظرين إدراكه . ويقال : { إناه } يعني : نضج الطعام .

ثم قال : { وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا } يعني : إذا دعاكم إلى الطعام فادخلوا بيته { فَإِذَا طَعِمْتُمْ } الطعام { فانتشروا } يعني : تفرقوا { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } أي : لا تدخلوا مستأنسين للحديث { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النبي فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ } أن يقول لكم تفرقوا { والله لاَ يَسْتَحْيي مِنَ الحق } يعني : من بيان الحق أن يأمركم بالخروج بعد الطعام .

قال الفقيه أبو الليث : في الآية حفظ الأدب والتعليم أن الرجل إذا كان ضيفاً لا ينبغي أن يجعل نفسه ثقيلاً ، ولكنه إذا أكل ينبغي أن يخرج .

ثم قال : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ متاعا } يعني : إذا سألتم من نسائه متاعاً { فاسألوهن من وراء حجاب } يعني : من خلف الستر . ويقال : خارج الباب { ذلكم أَطْهَرُ } من الريبة { لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } .

ثم قال : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله } قال : وذلك أن طلحة بن عبيد الله قال : لئن مات محمد لأتزوجن بعائشة فنزل : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله } { وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } يعني : ولا أن تتزوجوا أزواجه من بعد وفاته أبداً { إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله عَظِيماً } في العقوبة . ويقال : إنما نهى عن ذلك لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة .

وروي عن حذيفة أنه قال لامرأته : إن أردت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتزوجي بعدي ، فإن المرأة لآخر أزواجها ، ولذلك حرم الله تعالى على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجن بعده . وروي أن أم الدرداء قالت لأبي الدرداء عند موته " إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك ، وإني أخطبك إلى نفسي في الآخرة ، فقال لها : فلا تنكحي بعدي ، فخطبها معاوية بن أبي سفيان فأخبرته بالذي كان ، وأبت أن تتزوجه " . وروي في خبر آخر بخلاف هذا أن أم حبيبة قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المرأة منا كان لها زوجان لأيهما تكون في الآخرة ؟ فقال : «إنَّهَا تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمَا خُلُقاً مَعَهَا » . ثم قال : «يا أمَّ حَبِيبَةَ إنَّ حُسْنَ الخُلُقِ ذَهَبَ بالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ » .