أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا أَوۡ لَا يَسۡتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلۡيُمۡلِلۡ وَلِيُّهُۥ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا يَأۡبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوٓاْ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِيرًا أَوۡ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَرۡتَابُوٓاْ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةٗ تُدِيرُونَهَا بَيۡنَكُمۡ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٞ وَلَا شَهِيدٞۚ وَإِن تَفۡعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (282)

شرح الكلمات :

{ تداينتم } : داين بعضكم بعضا في شراء أو بيع أو سَلّم أو قرض .

{ إلى أجل مسمى } : وقت محدد بالأيام أو الشهور أو الأعوام .

{ بالعدل } : بلا زيادة ولا نقصان ولا غش أو احتيال بل بالحق والإِنصاف .

{ ولا يأب } : لا يمتنع الذي يحسن الكتابة أن يكتب .

{ وليملل الذي عليه الحق } : لأن إملاءه اعتراف منه وإقرار بالذي عليه من الحق .

{ ولا يبخس منه شيئا } : لا ينقص من الدين الذي عليه شيء ولو قل كفلس وليذكره كله .

{ سفيهاً أو ضعيفاً } : السفيه : الذي لا يحسن التصرفات المالية ، والضعيف : العاجز عن الإِملاء كلأخرس ، أو الشيخ الهرم .

{ وليّه } : من يلي أمره ويتولى شؤونه لعجزه وقصوره .

{ من رجالكم } : أي المسلمين الأحرار دون العبيد والكفار .

{ أن تضل إحداهما } : تنسى أو تخطىء لقصر إدراكها .

{ ولا تسأموا } : لا تضجروا أو تملّوا من الكتابة ولو كان الدين صغيراً مبلغه .

{ أقسط عند الله } : أعدل في حكم الله وشرعه .

{ وأقوم للشهادة } : أثبت لها وأكثر تقريراً لأن الكتابة لا تنسى والشهادة تنسى أو يموت الشاهد أو يغيب .

{ وأدنى أن لا ترتابوا } : أقرب أن لا تشكوا بخلاف الشهادة بدون كتابة .

{ تديرونها بينكم } : أي تتعاطونها ، البائع يعطي البضاعة والمشتري يعطي النقود فلا حاجة إلى كتابتها ولا حرج أو إثم يترتب عليها .

{ وأشهدوا إذا تبايعتم } : إذا باع أحدُ داراً أو بستاناً أو حيواناً يشهد على ذلك البيع .

{ ولا يضار كاتب ولا شهيد } : بأن يكلف ما لا يقدر عليه بأن يُدْعى ليشهد في مكان بعيد يشق عليه أو يطلب إليه أن يكتب زوراً أو يشهد به .

{ فسوق بكم } : أي خروج عن طاعة ربكم لاحق بكم إثمه وعليكم تبعته يوم القيامة .

{ اتقوا الله } : في أوامره فافعلوها ، وفي نواهيه فاتركوها ، وكما علمكم هذا يعلمكم كل ما تحتاجون فاحمدوه بألسنتكم واشكروه بأعمالكم ، وسيجزيكم بها وهو بكل شيء عليم .

المعنى الكريمة الكريمة :

لما حث تعالى على الصدقات ، وحرم الربا ، ودعا إلى العفو على المعسر ، والتصدّق عليه بإسقاط الدين الأمر الذي قد يتبادر إلى الذهن أنّ المال لا شأن له ولا قيمة في الحياة فجاءت هذه الآية ، آية الدين الكريمة لتعطي للمال حقَّه ، وترفع من شأنه فإنه قوام الحياة فقررت واجب الحفاظ عليه ، وذلك بكتاب الديون ، والإِشهاد عليها بمن ترضى عدالتهم ، وكون الشهود رجلين مسلمين حرّين ، فإن انعدم رجل من الاثنين قامت امرأتان مقامه ، واستحث الله تعالى من يحسن الكتابة أن يكتب إذا كان في سعة من أمره ، وحرم على الشهود إذا ما دُعوا لأداء الشهادة أن يتخَّلْوا عنها ، وحرم على المتداينين أن لا يكتبوا ديونهم ولو كانت صغيرة قليلة فقال تعالى : { ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله } ورخص تعالى رحمةً منه في عدم كتابة التجارة الحاضرة التي يدفع فيها السلعة في المجلس ، ويقبض الثمن فيه فقال : { إلا أن تكون تجارةً حاضرةً تُدِيُرونها بينكم فليس عليكم جُنَاح ألاَّ تكتبوها } وأمر بالإِشهاد عل البيع فقال : { وأشهدوا إذا تبايعتم . . } ونهى عن الإِضرار بالكاتب ، أو الشهيد ، بأن يلزم الكاتب أن يكتب إذا كان في شغله ، أو الشاهد بأن يطلب منه أن يشهد وهو كذلك في شغله ، أو أن يُدْعى إلى مسافات بعيدة تشُقْ عليه إذ أمره تطوع ، وفعل خير لا غير فليطلب كاتب وشاهد غيرهما إذا تعذر ذلك منهما لانشغالهما . وحذَّره من كتمان الشهادة أو الحيف والجَوْر في الكتابة ، والإِضرار بالكاتب والشهيد فقال : { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم . . } وأكَّد ذلك بأمره بتقواه فقال : { واتقوا الله . . } بامتثال أمره ، ونهيه لتَكْمْلُوا وتسعدوا وكما علمكم هذا لعلم النافع ما زال يعلمكم وهو بكل شيء عليم . هذا المعنى الكريمة الكريمة : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه . . }

من الهداية :

- وجوب كتابة الديون سواءٌ كانت بيعاً ، أو شراء ، أو سلفاً ، أو قرضاً هذا ما قرره ابن جرير ، ورد القول بالإرشاد والندب .

- رعاية النعمة بشكرها لقوله تعالى للكاتب : كما علمه الله فليكتب إذ علمه الكتاب وحرم غيره منها .

- جواز النيابة في الإِملاء لعجز عنه ، وعدم قدرته عليه .

- وجوب العدل والإِنصاف في كل شيء لا سيما في كتابة الديون المستحقة المؤجلة .

-وجوب الإِشهاد على الكتابة لتأكّدها به ، وعدم نسيان قدْر الدّين وأجله .

- شهود المال لا يَقِلُّون عن رجلين عدلين من الأحرار المسلمين لا غير ، والمرأتان المسلمتان اللتان فرض شهادتهما تقومان مقام الرجل الواحد .

- الحرص على كتابة الديون والعزم على ذلك ولو كان الدين صغيراً تافهاً .

- الرخصة في عدم كتابة التجارة الحاضرة السلعة والثمن المدارة بين البائع والمشتري .

- وجوب الإِشهاد على بيع العقارات والمزارع والمصانع مما هو ذو بال .

- حرمة الإِضرار بالكاتب والشهيد .

- تقوى الله تعالى تسبب العلم ، وتُكْسِب المعرفة بإذن الله تعالى .