تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا أَوۡ لَا يَسۡتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلۡيُمۡلِلۡ وَلِيُّهُۥ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا يَأۡبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوٓاْ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِيرًا أَوۡ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَرۡتَابُوٓاْ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةٗ تُدِيرُونَهَا بَيۡنَكُمۡ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٞ وَلَا شَهِيدٞۚ وَإِن تَفۡعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (282)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ، يعني اكتبوا الدين والأجل ، { وليكتب } الكاتب بين البائع والمشتري ، { بينكم كاتب بالعدل } يعدل بينهما في كتابه ، فلا يزداد على المطلوب ، ولا ينقص من حق الطالب ، { ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله } الكتابة ، وذلك أن الكتاب كانوا قليلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : { فليكتب } الكاتب ، { وليملل } على الكاتب { الذي عليه الحق } ، يعني المطلوب ، ثم خوف المطلوب ، فقال عز وجل : { وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا } ، يعني ولا ينقص المطلوب من الحق شيئا ، كقوله عز وجل : { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } ( الأعراف : 85 ) .

{ فإن كان الذي عليه الحق سفيها } ، يعني جاهلا بالإملاء ، { أو ضعيفا } ، يعني أو عاجزا ، أو به حمق ، { أو لا يستطيع أن يمل هو } ، لا يعقل الإملاء لعِيِّه ، أو لِخَرَسه ، أو لِسَفَهِه ، ثم رجع إلى الذي له الحق ، فقال سبحانه : { فليملل وليه } ، يعني ولي الحق ، فليملل هو { بالعدل } ، يعني بالحق ، ولا يزداد شيئا ولا ينقص ، كما قال للمطلوب قبل ذلك ، وأمر كليهما بالعدل ، ثم قال سبحانه : { واستشهدوا } على حقكم { شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } ، يقول : ولا يشهد الرجل على حقه إلا مرضيا إن كان الشاهد رجلا أو امرأة .

ثم قال : { أن تضل } المرأة ، يعني أن تنسى { إحداهما } الشهادة ، { فتذكر إحداهما } الشهادة { الأخرى } ، يقول : تذكرها المرأة الأخرى التي حفظت شهادتهما ، ثم قال سبحانه : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } ، يقول : إذا ما دُعِيَ الرجلُ ليستشهدَ على أخيه ، فلا يأب إن كان فارغا ، ثم قال : { ولا تسئموا } ، يقول : ولا تملوا ، وكل شيء في القرآن تسأموا ، يعني تملوا ، { أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا } ، يعني قليل الحق وكثيره ، { إلى أجله } ، لأن الكتاب أحصى للأجل وأحفظ للمال ، { ذلكم } ، يعني الكتاب ، { أقسط } ، يعني أعدل { عند الله وأقوم } ، يعني أصوب { للشهادة وأدنى ألا ترتابوا } ، يعني وأجدر ألا تشكوا ، نظيرها : { ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة } ( المائدة : 108 ) ، أي أجدر ، ونظيرها في الأحزاب : { ذلك أدنى } ، يعني أجدر { أن تقر أعينهن } ( الأحزاب : 51 ) ، في الحق والأجل والشهادة إذا كان مكتوبا .

ثم رخص في الاستثناء ، فقال : { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم } ، وليس فيها أجل ، { فليس عليكم جناح } ، يعني حرج ، { ألا تكتبوها } ، يعني التجارة الحاضرة ، إذا كانت يدا بيد على كل حال ، { وأشهدوا } على حقكم { إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد } ، يقول : لا يعمد أحدكم إلى الكاتب والشاهد فيدعوهما إلى الكتابة والشهادة ولهما حاجة ، فيقول : اكتب لي ، فإن الله أمرك أن تكتب لي ، فيضاره بذلك ، وهو يجد غيره ، ويقول للشاهد وهو يجد غيره : اشهد لي على حقي ، فإن الله قد أمرك أن تشهد على حقي ، وهو يجد غيره من يشهد له على حقه ، فيضاره بذلك ، فأمر الله عز وجل أن يتركا لحاجتهما ويلتمس غيرهما ، { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم } ، يقول : وإن تضاروا الكاتب والشاهد وما نهيتم عنه ، فإنه إثم بكم ، ثم خوفهم ، فقال سبحانه : { واتقوا الله } ولا تعصوه فيهما ، { ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم } من أعمالكم عليم .