جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا أَوۡ لَا يَسۡتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلۡيُمۡلِلۡ وَلِيُّهُۥ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا يَأۡبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوٓاْ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِيرًا أَوۡ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَرۡتَابُوٓاْ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةٗ تُدِيرُونَهَا بَيۡنَكُمۡ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٞ وَلَا شَهِيدٞۚ وَإِن تَفۡعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (282)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ {[567]} آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } ، أي : تعاملتم بمعاملات مؤجلة فاكتبوها ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنزلت في السلف ، حرم الله الربا وأباح السلف ، وهذا أمر إرشاد لا أمر إيجاب ، وعن كثير من السلف : أن الأمر للوجوب ، ولكن نسخ بقوله : " فإن أمن بعضكم بعضا " {[568]} ، { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } : بالسوية ، لا يزيد ولا ينقص ، { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ } أي : لا يأب أن ينفع الناس بكتابته ، كما نفعه الله بتعليمها ، أو مثل ما علمه من كتابة الوثائق ، قال عطاء ومجاهد : واجب على الكاتب أن يكتب ، { فَلْيَكْتُبْ } أمر بها بعد النهي عن الإباء تأكيدا ، قيل : جاز أن يتعلق كما علمه الله به ، فالنهي مطلق والأمر مقيد ، { وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ } : الإملال والإملاء واحد ، أي : وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدين ، { وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } أمر بأن يقر بمبلغ المال من غير نقصان ، { فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً } : محجوراً عليه بتبذير ونحوه ، { أَوْ ضَعِيفاً } : صبيا ، أو مجنونا ، { أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ } بخرس ، أو جهل باللغة ، { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ } : الذي يلي أمره ، من وكيل ، أو قسيم ، أو مترجم ، { بِالْعَدْلِ } : بالصدق ، { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ } ، اطلبوا شاهدين ، أن يشهدوا على الدين ، { من رِّجَالِكُمْ } : رجال المسلمين ، { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ } أي : إن لم يكن الشهيدان رجلين ، { فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } أي : فالمستشهد رجل وامرأتان ، وهذا مخصوص بالأموال عند الشافعي ، وبما عدا الحدود والقصاص عند أبي حنيفة ، { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء } لعلمكم بعدالتهم ، { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } أي : إن نسيت إحدى المرأتين الشهادة ، ذكرتها الأخرى ، فهو علة اعتبار العدد ، والعلة في الحقيقة التذكير ، ولما كان الضلال سببا له نزل منزلته ، { وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ } لأداء الشهادة ، وعند بعض {[569]} معناه : إذا دعوا للتحمل {[570]} ، وحينئذ تسميتهم شهداء باعتبار المشارفة ، وما زائدة ومنه علم أن تحمل الشهادة فرض كفاية ، { وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ } أي : لا تملوا ، ولا تمنعكم الملالة أن تكتبوا الحق ، { صَغِيراً أَو كَبِيراً } : قليلا كان الحق أو كثيراً ، { إِلَى أَجَلِهِ {[571]} } : إلى وقت حلوله ، { ذَلِكُمْ {[572]} } إشارة إلى أن تكتبوه { أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ } : أعدل ، { وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ } : أثبت لها ، وهما مبنيان من أقسط {[573]} وأقام على مذهب سيبويه ، { وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ } أي : أقرب في ألا تشكوا ، لأن ترجعوا بعد الشك في كتابتكم ، { إِلاَّ أَن تَكُونَ } التجارة ، { تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا } استثناء من الأمر بالكتابة ، وإدارتها بينهم : تعاطيهم إياها ، يدا بيد ، ومن قرأ : " تجارة " بالرفع فعنده كان تامة ، أو تديرونها خبر كان ، { وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } مطلقا مؤجلا ، أو معجلا ، وهذا الأمر محمول {[574]} على الندب ، وعند الشعبي والحسن للوجوب لكن نسخ ، { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } نهي عن الضرارر بهما ، مثل أن يكلفا ترك حاجاتهم {[575]} ومهامهم ولا يعطى جعل الكاتب ، وعلى هذا يضار مبني للمفعول ، أو معناه نهيهما عن الضرار بزيادة ونقصان ، وتحريف وتغيير ، فعلى هذا يكون مبنيا للفاعل ، { وَإِن تَفْعَلُواْ } ما نهيتم عنه ، { فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } أي : لاحق لازم بكم ، { وَاتَّقُواْ اللّهَ } في مخالفة أمره ، { وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ } أحكامه وشرائعه ، { وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } تكرار لفظ الله في الجمل الثلاث لاستقبال كل منها ، ولأنه أدخل في التعظيم .


[567]:ولما أمروا بالصدقة وبترك الربا، ويحصل منها تنقيص المال، نبه على طريق حلال فيه تنمية المال، وأكد في كيفية حفظه، وأمر فيه بعدة أوامر، فقال: "يا أيها الذين آمنوا" الآية/12 وجيز
[568]:البقرة: 283
[569]:كقتادة والربيع بن أنس/12 منه
[570]:روى عن ابن عباس والحسن البصري أنها عام في الأداء والتحمل قيل: في الأداء واجب، وفي التحمل ندب/12
[571]:أي: أن تكتبوا الصغير والكبير منظما منتهيا إلى وقت حلوله، يعني: كما يكتب أصل الدين يكتب الأجل أيضا/12 وجيز
[572]:كل ذلك ضبط لأموال الناس، وتحريض على ألا يقع بينهم نزاع/12 وجيز
[573]:يعني "أقسط" من المزيد لقصد الزيادة في العدل، "إن الله يحب المقسطين" لا من المجرد لأن معناه الزيادة في القاسط وهو الجائز، "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا"، وكذا أقوم أشد إقامة لا قياماً، هذا ما قال المصنف في الحاشية. وفي الوجيز قال صاحب البحر: قسط من الأضداد وفي الصحاح القسط: -بفتح القاف- الجود-وبكسرها-: العدل، فعلى هذا بناء أفعل من الثلاثي، الذي هو القسط فلا يكون شاذا، وكذا أقوم من قام بمعني: اعتدل/12
[574]:عند الجمهور والأحاديث يؤيده/12 منه
[575]:الأول: لابن عباس وعكرمة ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير والضحاك وعطية والسدي ومقاتل بن حبان والربيع بن أنس، والثاني: للحسن وقتادة وغيرهما/12 منه