{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ {[567]} آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } ، أي : تعاملتم بمعاملات مؤجلة فاكتبوها ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنزلت في السلف ، حرم الله الربا وأباح السلف ، وهذا أمر إرشاد لا أمر إيجاب ، وعن كثير من السلف : أن الأمر للوجوب ، ولكن نسخ بقوله : " فإن أمن بعضكم بعضا " {[568]} ، { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } : بالسوية ، لا يزيد ولا ينقص ، { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ } أي : لا يأب أن ينفع الناس بكتابته ، كما نفعه الله بتعليمها ، أو مثل ما علمه من كتابة الوثائق ، قال عطاء ومجاهد : واجب على الكاتب أن يكتب ، { فَلْيَكْتُبْ } أمر بها بعد النهي عن الإباء تأكيدا ، قيل : جاز أن يتعلق كما علمه الله به ، فالنهي مطلق والأمر مقيد ، { وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ } : الإملال والإملاء واحد ، أي : وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدين ، { وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } أمر بأن يقر بمبلغ المال من غير نقصان ، { فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً } : محجوراً عليه بتبذير ونحوه ، { أَوْ ضَعِيفاً } : صبيا ، أو مجنونا ، { أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ } بخرس ، أو جهل باللغة ، { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ } : الذي يلي أمره ، من وكيل ، أو قسيم ، أو مترجم ، { بِالْعَدْلِ } : بالصدق ، { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ } ، اطلبوا شاهدين ، أن يشهدوا على الدين ، { من رِّجَالِكُمْ } : رجال المسلمين ، { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ } أي : إن لم يكن الشهيدان رجلين ، { فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } أي : فالمستشهد رجل وامرأتان ، وهذا مخصوص بالأموال عند الشافعي ، وبما عدا الحدود والقصاص عند أبي حنيفة ، { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء } لعلمكم بعدالتهم ، { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } أي : إن نسيت إحدى المرأتين الشهادة ، ذكرتها الأخرى ، فهو علة اعتبار العدد ، والعلة في الحقيقة التذكير ، ولما كان الضلال سببا له نزل منزلته ، { وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ } لأداء الشهادة ، وعند بعض {[569]} معناه : إذا دعوا للتحمل {[570]} ، وحينئذ تسميتهم شهداء باعتبار المشارفة ، وما زائدة ومنه علم أن تحمل الشهادة فرض كفاية ، { وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ } أي : لا تملوا ، ولا تمنعكم الملالة أن تكتبوا الحق ، { صَغِيراً أَو كَبِيراً } : قليلا كان الحق أو كثيراً ، { إِلَى أَجَلِهِ {[571]} } : إلى وقت حلوله ، { ذَلِكُمْ {[572]} } إشارة إلى أن تكتبوه { أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ } : أعدل ، { وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ } : أثبت لها ، وهما مبنيان من أقسط {[573]} وأقام على مذهب سيبويه ، { وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ } أي : أقرب في ألا تشكوا ، لأن ترجعوا بعد الشك في كتابتكم ، { إِلاَّ أَن تَكُونَ } التجارة ، { تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا } استثناء من الأمر بالكتابة ، وإدارتها بينهم : تعاطيهم إياها ، يدا بيد ، ومن قرأ : " تجارة " بالرفع فعنده كان تامة ، أو تديرونها خبر كان ، { وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } مطلقا مؤجلا ، أو معجلا ، وهذا الأمر محمول {[574]} على الندب ، وعند الشعبي والحسن للوجوب لكن نسخ ، { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } نهي عن الضرارر بهما ، مثل أن يكلفا ترك حاجاتهم {[575]} ومهامهم ولا يعطى جعل الكاتب ، وعلى هذا يضار مبني للمفعول ، أو معناه نهيهما عن الضرار بزيادة ونقصان ، وتحريف وتغيير ، فعلى هذا يكون مبنيا للفاعل ، { وَإِن تَفْعَلُواْ } ما نهيتم عنه ، { فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } أي : لاحق لازم بكم ، { وَاتَّقُواْ اللّهَ } في مخالفة أمره ، { وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ } أحكامه وشرائعه ، { وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } تكرار لفظ الله في الجمل الثلاث لاستقبال كل منها ، ولأنه أدخل في التعظيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.