الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (23)

قوله : ( وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْب ) الآية( {[1171]} ) [ 22 ] .

أي إن كنتم أيها الناس في شك من القرآن أنه ليس من عند الله فأتوا بسورة من( {[1172]} ) مثل القرآن .

وقيل : من مثل محمد( {[1173]} ) صلى الله عليه وسلم في صدقه وأمانته( {[1174]} ) . وقال ابن كيسان : " معناه أنهم زعموا أن محمداً شاعر وأنه ساحر ، فقيل( {[1175]} ) : إيتوا بسورة من مفترٍ أو من شاعر أو من ساحر .

وقيل( {[1176]} ) : معنى : " من مثله " من( {[1177]} ) مثل التوراة والإنجيل( {[1178]} ) .

والاختيار( {[1179]} )/ عند الطبري( {[1180]} ) أن يكون معناه من مثل القرآن في بيانه ، دليله قوله تعالى في موضع آخر : ( فَاتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ )( {[1181]} ) . ولا يحسن هنا إلا مثل القرآن . فحمل الآيتين على معنى واحد أولى . ولم يعن بقوله : ( مِّن مِّثْلِهِ ) إذا جعلت/ الهاء للقرآن( {[1182]} ) في التأليف والمعاني لأنه لا مثل للقرآن( {[1183]} ) إنما عني ( مِّن مِّثْلِهِ ) في البيان لأن الله( {[1184]} ) أنزله بلسان عربي مبين . فقيل لهم : كلامكم فيه البيان ، وهذا القرآن فيه البيان فأتوا من كلامكم( {[1185]} ) بسورة مثل القرآن في البيان ، فأما التأليف والمعاني والرَّصف( {[1186]} ) ، فهي معان ، بَايَن القرآن فيها المخلوقات ، فلا مثل له في ذلك ، يضاف إليه فاعلمه .

وفي اشتقاق السورة أربعة أقاويل( {[1187]} ) :

- قيل : / سميت سورة لأنها يرتفع بها من منزلة إلى منزلة ، ويشرف فيها/ قارئها وحافظها على ما( {[1188]} ) لم يكن عنده من العلم كإشرافه على سور( {[1189]} ) البناء ، فهي [ منزلة رفعة( {[1190]} ) ] .

كما قال :

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أعْطَاكَ سورة( {[1191]} ) .

أي منزلة في( {[1192]} ) الشرف .

- والثاني : إنما قيل لها سورة : لتمامها وكَمَالِهَا . يقال للناقة التامة : السورة .

- والثالث : إنما سميت سورة لشرفها( {[1193]} ) وارتفاعها في القَدْرِ ، كما يقال لما ارتفع من البناء على هيئة سور( {[1194]} ) .

- والرابع : إنما سميت سورة لأنها بقية من القرآن وقطعة منه : يقال : " أَسْأَرْتُ في الإناء سُؤراً ، أي أبقيت فيه بقية ، " ودخل فلان في سائر الناس " أي في بقاياهم . فيكون أصله على هذا القول الرابع الهمز .

قوله : ( وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم )[ 22 ] .

أي ادعو( {[1195]} ) آلهتكم للمعونة على الإتيان بسورة من مثل( {[1196]} ) القرآن .

وقيل : شهداءكم . معناه : أعوانكم على ما أنتم عليه( {[1197]} ) .

وقيل : معناه : ادعوا شهداءكم إذا أتيتم بالسورة يشهدون لكم أنها مثل القرآن( {[1198]} ) . ومعنى ادعوهم : استعينوا بهم( {[1199]} ) .

وقيل : الشهداء/ العلماء ، أي استعينوا بهم على ذلك ، وواحد الشهداء( {[1200]} ) شهيد ، وواحد الشهود شاهد ، وواحد الأشهاد( {[1201]} ) شهيد وشاهد أيضاً ، وهو من نوادر( {[1202]} ) الجموع .

فإن قيل لك : قد قال الله( {[1203]} ) تعالى لهم في موضع آخر : ( فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ )( {[1204]} )( {[1205]} ) وهم قد عجزوا عن( {[1206]} ) الإتيان بسورة ، وإنما يطالب من عجز عن الشيء بأقل منه لا بأكثر( {[1207]} ) .

- فالجواب عن ذلك أن قوله تعالى : ( فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ )[ هود : 13 ] ، نزل قبل : ( فَاتُوا بِسُورَةٍ ) لأن الأول مكي وهذا مدني ، فلما عجزوا عن عشر سور ، قيل لهم : فأتوا بسورة .

وقيل : إنما طلبوا( {[1208]} ) في البقرة بسورة من مثله غير محدودة/ في مدح و[ لا ]( {[1209]} ) ذم( {[1210]} ) ولا تعظيم ولا غيره ، بل تجمع( {[1211]} ) معاني كما تجمع( {[1212]} ) ذلك سور القرآن ، وكلفوا في العشر السور أن تكون مفتريات ، ومن كلف( {[1213]} ) معنى واحداً أخف ممن( {[1214]} ) كلف معاني لا( {[1215]} ) تحصى ولا تدرك .

فالتكليف( {[1216]} ) في سورة البقرة أثقل( {[1217]} ) وأضعف ، وإن كانت سورة واحدة( {[1218]} ) ، وهو في هود أخف ، وإن كان بعشر سور لأنها في معنى واحد وقع بها التكليف في هود ، وفي معان كثيرة( {[1219]} ) وقع بها التكليف في البقرة .


[1171]:- سقط من ع3.
[1172]:- سقط من ع3.
[1173]:- في ع1: محمداً. وهو خطأ.
[1174]:- انظر: جامع البيان 1/374، ومشكل الإعراب 1/83.
[1175]:- في ع3: فقالوا.
[1176]:- في ع2: قبل من.
[1177]:- سقط من ع3.
[1178]:- انظر: المحرر الوجيز 1/144.
[1179]:- في ع3: الأخيار. وهو تحريف.
[1180]:- انظر: جامع البيان 1/372-376، وهو أيضاً اختيار القراء، في معانيه 1/91.
[1181]:- يونس آية 38.
[1182]:- في ع2: القراء.
[1183]:- في ع2: القراء.
[1184]:- سقط لفظ الجلالة "الله". من ق.
[1185]:- في ح: كلام.
[1186]:- في ع1، ح، ع3: الوصف.
[1187]:- انظر: هذه الأقوال في مفردات الراغب 254، واللسان 2/237-238 والبرهان 1/263-264.
[1188]:- في ع2، ع3: من.
[1189]:- في ع2، ع3: سورة.
[1190]:- في ع3: بمنزلة رفع.
[1191]:- البيت لنابغة بني ذبيان، وعجزه: ترى كل ملك دونها يتذبذب. انظر: ديوانه 78.
[1192]:- في ع3: من.
[1193]:- في ع3: لسرفها. وهو تصحيف.
[1194]:- في ع3: سورة.
[1195]:- سقط من ع2، ع3.
[1196]:- سقط من ع3.
[1197]:- تفسير الغريب 43، ومفردات الراغب 276، وهو قول ابن عباس في جامع البيان 1/376.
[1198]:- القول لابن جريج في جامع البيان 1/377، ولابن مجاهد في مفردات الراغب 276.
[1199]:- سقط من ع3.
[1200]:- في ع1، ع2: الشهد.
[1201]:- في ع1، ع2، ق، ع3: الأشهداء.
[1202]:- في ع2: نوادرك.
[1203]:- سقط لفظ الجلالة "الله" من ق.
[1204]:- هود آية 13.
[1205]:- في ع2: سور مثله.
[1206]:- سقط من ق.
[1207]:- في ع3: أكثر.
[1208]:- في ع3: طلبوا.
[1209]:- في ع3: إلا. وهو خطأ.
[1210]:- في ع2: دم. وهو تصحيف.
[1211]:- في ق: يجمع. وفي ع3: تجع.
[1212]:- في ع3: تجع: وهو تحريف.
[1213]:- في ق: حلف. وهو تحريف.
[1214]:- في ق: من.
[1215]:- سقط من ق.
[1216]:- في ع2: في التكليف. وهو تحريف.
[1217]:- في ق: وثقل. وهو تحريف.
[1218]:- في ع3: وحدة.
[1219]:- قوله: "وقع بها.. كثيرة" ساقط من ع3.