غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (23)

23

التفسير : لما نبه بالآيتين السابقتين على طريق الاعتراف بوجود الصانع ووحدانيته ، أعقبهما بما يدل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر في كون القرآن معجزاً طريقان :

الأول : أنه إما أن يكون مساوياً لكلام سائر الفصحاء أو زائداً عليه بما لا ينقض العادة أو بما ينقضها . والأولان باطلان لأنهم -وهم زعماء وملوك الكلام- تحدّوا بسورة منه مجتمعين أو منفردين ثم لم يأتوا بها مع أنهم كانوا متهالكين في إبطال أمره حتى بذلوا النفوس والأموال ، وارتكبوا المخاوف والمحن ، وكانوا في الحمية والأنفة إلى حد لا يقبلون الحق فكيف الباطل ؟ فتعين القسم الثالث .

الطريق الثاني : أن يقال : إن بلغت السورة المتحدى بها في الفصاحة إلى حد الإعجاز فقد حصل المقصود وإلا فامتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى توهين أمره معجز ، فعلى التقديرين يحصل الإعجاز . فإن قيل : وما يدريك أنه لن يعارض في مستأنف الزمان وإن لم يعارض إلى الآن ؟ قلت : لأنه لا احتياج إلى المعارضة أشد مما في وقت التحدي ، وإلا لزم تقرير المبطل المشبه للحق . وحيث لم تقع المعارضة وقتئذ علم أن لا معارضة ، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله { ولن تفعلوا } كما يجيء .

واعلم أن شأن الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها ، وكالملاحة فمدرك الإعجاز هو الذوق . ومن فسر الإعجاز بأنه صرف الله تعالى البشر عن معارضته ، أو بأنه هو كون أسلوبه مخالفاً لأساليب الكلام ، أو بأنه هو كونه مبرأ عن التناقض ، أو بكونه مشتملاً على الأخبار بالغيوب وبما ينخرط في سلك هذه الآراء ، فقد كذب ابن أخت خالته . فإنا نقطع أن الاستغراب من سماع القرآن إنما هو من أسلوبه ، ونظمه المؤثر في القلوب تأثيراً لا يمكن إنكاره لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، لا من صرف الله تعالى البشر عن الإتيان بمثله ، كما لو قال أحد : معجزتي أن أضع الساعة يدي على رأسي ويتعذر ذلك عليكم . وكان كما قال ، جاء الاستغراب من التعذر لا من نفس الفعل . وأيضاً تسمية كل أسلوب غريب معجزاً باطل ، وكذا تسمية كل كلام مبرإ عن التناقض أو مشتملاً على الغيب ككلام الكهان ونحوهم . فإن قيل : كيف نعتقد إعجاز القرآن بحيث يعجز عنه الثقلان فقط والزائد غير معلوم الحال ، أو بحيث يعجز عنه المخلوقات بأسرها ؟ قلنا : لا ريب أن الحق هو القسم الثاني ، إلا أن التحدي لم يقع إلا بالقدر الأول وبه يثبت صحة النبوة . لكن النبي صادق وقد أخبر بأنه كلام الله تعالى ، ونحن نعلم أن كلام صفته وصفته يجب أن تكون في غاية الكمال ونهاية الجلال . فالقرآن إذاً في غاية البلاغة ونهاية الفصاحة . والبلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حداً له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها ، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها ، وهي فينا كأنها هيئة اجتماعية حاصلة من معرفة قوانين علمي المعاني والبيان . والفصاحة إما معنوية وهي خلوص الكلام عن التعقيد ، والتعقيد أن يعثر صاحبه فكرك في متصرفه ويشيك طريقك إلى المعنى ويوعر مذهبك نحوه ، حتى يقسم فكرك ويشعب ظنك فلا تدري من أين تتوصل وبأي طريق معناه يتحصل . وإما لفظية وهي أن تكون الكلمة عربية أصلية ، وعلامة ذلك أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم أدرب ، واستعمالهم لها أكثر ، وأن تكون أجرى على قوانين اللغة العربية ، وأن تكون سليمة عن التنافر ، عذبة على العذبات ، سلسة على الأسلات . والحاكم في ذلك هو الذوق السليم والطبع المستقيم ، فقلما ينجع هنالك إلا ذلك . ثم إنه قد اجتمع في القرآن وجوه كثيرة تقتضي نقصان الفصاحة ، ومع ذلك فإنه بلغ في الفصاحة النهاية التي لا غاية وراءها ، فدل ذلك على كونه معجزاً . منها أن فصاحة العرب أكثرها في وصف المشاهدات كبعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب أو وصف غارة ، وليس في القرآن من هذه الأشياء مقدار كثير . ومنها أنه تعالى راعى طريق الصدق وتبرأ عن الكذب ، وقد قيل : أحسن الشعر أكذبه . ولهذا كان لبيد بن ربيعة وحسان بن ثابت لما أسلما وتركا سلوك سبيل الكذب والتخيل ترك شعرهما . ومنها أن الكلام الفصيح والشعر الفصيح إنما يتفق في بيت أو في بيتين من قصيدة ، والقرآن كله فصيح ككل جزء منه . ومنها أن الشاعر الفصيح إذا كرر كلامه لم يكن الثاني في الفصاحة بمنزلة الأول ، وكل مكرر في القرآن فهو في نهاية الفصاحة وغاية الملاحة .

أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره *** هو المسك ما كررته يتضوّع

ومنها أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم المنكرات والحث على مكارم الأخلاق والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة ، ولا يخفى ضيق عطن البلاغة في هذه المواد . ومنها أنهم قالوا : إن شعر امرئ القيس يحسن في النساء وصفة الخيل ، وشعر النابغة عند الخوف ، وشعر الأعشى عند الطرب ووصف الخمر ، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء والقرآن جاء فصيحاً في كل فن من فنون الكلام . فانظر في الترغيب إلى قوله : { فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين } [ السجدة : 17 ] وفي الترهيب { وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرّعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } [ إبراهيم : 15-17 ] وفي الزجر { فكلاًّ أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا } [ العنكبوت : 40 ] وفي الوعظ

{ أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } [ الشعراء : 205 ] وفي الإلهيات { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال }

[ الرعد : 8 ، 9 ] . ومنها أن القرآن أصل العلوم كلها كعلم الكلام وعلم أصول الفقه وعلم الفقه واللغة والنحو والصرف والنجوم والمعاني والبيان وعلم الأحوال وعلم الأخلاق وما شئت ، ومن يطيق وصف القرآن وبلاغته فإنه كما أن الإتيان بأقصر سورة منه فوق حد البشر فوصفه كما هو فوق طاقة البشر .

" فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح " *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإنما قيل : { وإن كنتم } دون إذ كنتم لما عرفت في تفسير { لا ريب فيه } . وإنما اختير { نزلنا } على لفظ التنزيل دون الإنزال ، لأن المراد النزول على سبيل التدريج والتنجيم وهو من مجازه لمكان التحدي ، وذلك أنهم كانوا يقولون : لو أنزله الله لأنزله جملة واحدة { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } [ الفرقان : 32 ] أي على خلاف ما نرى عليه أهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقاً شيئاً فشيئاً وحيناً فحيناً حسب ما يعنّ لهم من الأحوال المتجددة والحاجات السانحة ، فقيل لهم : إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على مهل وتدريج ، فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه ، وهلموا نجماً من نجومه أصغر سورة وهي الكوثر ، ومعنى السورة مذكور في المقدمة الرابعة . وإنما قيل : { على عبدنا } دون أن يقال على محمد كقوله

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد } [ محمد : 2 ] تشريفاً له صلى الله عليه وسلم وإعلاماً بأنه صلى الله عليه وسلم ممن صحح نسبة العبودية المأمور بها في قوله تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا } وإضافة العبد إلى الضمير أيضاً تؤيد ذلك كقوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } [ الإسراء : 65 ] . وفيه أن السعادة كل السعادة في نسبة العبدية ، فهي التي توصل إلى العندية { في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر } [ القمر : 55 ] " وأنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي " وكمال العندية في كمال الحرية عما سوى الله . وأما فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً ، فمن ذلك أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتملت الأنواع على الأصناف ، كان إفراز كل من صاحبه أحسن ، ولهذا وضع المصنفون كتبهم على الأبواب والفصول ونحوها .

ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو باباً من الكتاب ثم أخذ في آخر ، كان أنشط له كالمسافر إذا قطع ميلاً أو طوى فرسخاً ، ومن ثم جزأوا القرآن أسباعاً وأجزاء وعشوراً وأخماساً ، ومنها أن الحافظ إذا حفظ السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها فيحل في نفسه ، ومنه حديث أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا . ولهذا كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل . و{ من مثله } متعلق بمحذوف أي بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزلنا أو لعبدنا . ويجوز أن يتعلق بقوله { فأتوا } والضمير للعبد معناه ، فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب والنظم الأنيق ، أو فأتوا ممن هو على حاله من كونه بشراً عربياً أو أمياً لم يقرأ الكتب ولم يقصد إلى مثل ونظير معين ، ولكنه كقول من قال للحجاج وقد توعده بقوله " لأحملنك على الأدهم مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب " أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقدرة وبسطة اليد ، ولم يقصد أحداً يجعله مثل الحجاج . وردّ الضمير على المنزل أوجه وعليه المحققون . ويروى عن عمر وابن مسعود وابن عباس والحسن ، ولأن ذلك يطابق الآيات الأخر { فأتو بسورة مثله }

[ البقرة : 23 ] { فأتوا بعشر سور مثله } [ هود : 13 ] ، ولأن البحث إنما وقع في المنزل لا في المنزل عليه ، إذ المعنى وإن ارتبتم أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم شيئاً مما يماثله . ولو كان الضمير مردوداً إلى الرسول اقتضى الترتيب أن يقال : وإن ارتبتم في أن محمداً صلى الله عليه وسلم منزل عليه ، فأتوا بسورة ممن يماثله . وأيضاً لو كان عائداً إلى القرآن اقتضى أن يكونوا عاجزين عن الإتيان بمثله ، مجتمعين أو متفرقين ، أميين أو قارئين . ولو عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم اقتضى أن يكون الشخص الواحد الأمي الذي هو مثله عاجزاً ، ولا شك أن الإعجاز على الوجه الأول أقوى ، ولاسيما فإنه يلزم من الوجه الثاني تقرير نقص للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإيهام أنّ الإتيان بالقرآن ممن يكون قارئاً ممكن . وأيضاً الأول هو الملائم لقوله { وادعوا شهداءكم } إذ لو كان المراد فليأت واحد آخر أمي بنحو ما أتى به هذا الواحد ، لم يحتج أن يستظهر بالشهداء وهي جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادات . والمراد بها إما آلهتهم كأنه قيل : إن كان الأمر كما تقولون من أنها تستحق العبادة لما أنها تنفع وتضر فقد دفعتم في منازعة محمد إلى فاقة شديدة فتعجلوا الاستعانة بها ، وإلا فاعلموا أنكم مبطلون فيكون في الكلام محاجة من جهتين : من جهة إبطال كونها آلهة ، ومن جهة إبطال ما أنكروه من إعجاز القرآن .

وإما أكابرهم ورؤساؤهم أي ادعوهم ليعينوكم على المعارضة ، أو ليحكموا لكم وعليكم . ومعنى { دون } أدنى مكان من الشيء ، ومنه الشيء الدون وهو الحقير ، ودوّن الكتب إذا جمعها بتقليل المسافة بينها . ويقال هذا دون ذلك إذا كان أحط منه قليلاً ، ودونك هذا أي خذه من دونك أي من أدنى مكان منك ، فاختصر واستعير للتفاوت في الأحوال والرتب . وقيل : زيد دون عمرو في الشرف والعلم ، ومنه قول من قال لعدوّه وقد كان يثني عليه رياء : أنا دون هذا وفوق ما في نفسك . واتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد وتخطى حكم إلى حكم . قال الله تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } [ آل عمران : 28 ] أي لا يتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين .

و{ من دون الله } متعلق ب{ شهداءكم } أو ب{ ادعوا } وعلى الأول يحتمل ثلاثة معان : ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق ، أو ادعوا الذين زعمتم أنهم يشهدون لكم بين يدي الله من قول الأعشى :

تريك القذى من دونها وهي دونه *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي تريك القذى قدام الزجاجة والحال أن الخمر قدام القذى لرقتها وصفائها ، وفي أمرهم أن يستظهروا بالجماد الذي لا ينطق في معارضة القرآن المعجز بفصاحته غاية التهكم بهم ، أو ادعوا شهداءكم من دون الله أي من دون أوليائه ومن غير المؤمنين ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بمثله ، وهذا من المساهلة وإرخاء العنان والإشعار بأن شهداءهم -وهم فرسان البلاغة- تأبى بهم الطباع وتجمح بهم الإنسانية والأنفة أن يرضوا لأنفسهم الشهادة بصحة الفاسد . وعلى الثاني يحتمل معنيين : ادعوا من دون الله شهداءكم يعني لا تستشهدوا بالله ولا تقولوا الله يشهد أن ما ندعيه حق كما يقول العاجز عن إقامة البينة على صحة دعواه ، وادعوا الشهداء من الناس الذين شهادتهم ظاهرة تصحح بها الدعاوى عند الحكام ، وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم وانخزالهم ، وأن الحجة قد بهرتهم ولم تبق لهم متشبثاً غير قولهم " الله يشهد إنا لصادقون " . سئل بعض العرب عن نسبه فقال : قرشي والحمد لله ، فقيل له : قولك : " الحمد لله " في هذا المقام ريبة . أو المراد بالشهداء ، الله تعالى ، وكل من له أهلية الحضور من الجن والإنس . فكأنه قيل لهم ادعوا غير الله من الجن والإنس من أردتم كقوله { قل لئن اجتمعت الإنس والجن } [ الإسراء : 88 ] الآية وإنما استثنى الله لأنه القادر وحده على أن يأتي بمثله دون كل شاهد . واعلم أن التحقيق في التحدي هو أن النبي يقول : إني مخصوص من الله تعالى بمزيد الكرامة والنور ، وجعلني واسطة بينكم وبين هدايتكم فاتبعون أهدكم سبيل الخير والرشاد ، وإن كنتم في ريب مما أقول ، فانظروا إلى هذا الذي أقدر عليه بإظهار الله تعالى إياه على يدي وأنتم لا تقدرون عليه لعدم إقداره ، لتعرفوا أني خصصت بمزيد فضل من عنده وأني صادق فيما أقول ، فإن أنصفوا من أنفسهم بمشيئة الله تعالى ونور هدايته اتبعوه واهتدوا ، وإلا بقوا في الضلالة خائبين . وكل هذا من عالم الأسباب التي ربط الله تعالى بها الوقائع والحوادث حسب ما أراد ، ولا يلزم من هذا أن يكون للعبد قدرة مستقلة يقع التحدي عليها ، بل الله يهدي من يشاء وكل بقدر . وقوله { إن كنتم صادقين } قيد لقوله { فأتوا } ولقوله { وادعوا } المعطوف عليه . ويجوز أن يكون قيداً لقوله { وادعوا } لأن قوله { فأتوا } مقيد بقوله و{ إن كنتم } وجواب الشرط الثاني محذوف لدلالة ما قبله وهو مثله عليه التقدير : وإن كنتم في ريب فأتوا ، وإن كنتم صادقين في أن أصنامكم تعينكم ، أو في أن القرآن غير معجز ، فادعوا شهداءكم . وإنما قلنا : الجواب محذوف ، لأن الجزاء لا يتقدم على الشرط ، فإن للشرط صدر الكلام كالاستفهام ، ولهذا لم يلزم الفاء في قولك " أنت مكرم إن جئتني " وإنما تقدم ما يدل عليه ومثله في القرآن كثير فاعتبره في كل موضع .