فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (23)

{ وإن كنتم في ريب } أي شك لأن الله عليم بأنهم شاكون { مما نزلنا على عبدنا } أن القرآن أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم للتفخيم ، لأن قبله اعبدوا ربكم فكان حق المقام أن يقول مما نزل على عبده والعبد مأخوذ من التعبد وهو التذلل ، وعبدنا إضافة تشريف لمحمد صلى الله عليه وسلم ، والتنزيل التدريج والتنجيم { فأتوا بسورة } أي من سورة ، والسورة الطائفة من القرآن المسماة باسم خاص سميت بذلك لأنها مشتملة على كلماتها كاشتمال سور البلدة عليها ، وأقل ما تتألف منه السورة ثلاث آيات استدل به من قال أنه يتعلق الإعجاز بأقل من سورة ورد به على من قال من المعتزلة بأنه يتعلق بجميع القرآن { من مثله } الضمير عائد على القرآن عند جمهور أهل العلم ، وقيل على التوراة والإنجيل لأن المعنى إنها تصدق ما فيه ، وقيل يعود على النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى من بشر مثل محمد صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ ، والأول أوجه وأولى ، ويدل عليه أن ذلك مطابق لسائر الآيات الواردة في التحدي ، وإنما وقع الكلام في المنزل لا في المنزل عليه { وادعوا شهداءكم } جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو المعاون ، والمراد هنا الآلهة أي استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها { من دون الله } وقيل المعنى وادعوا ناسا يشهدون لكم ، ومعنى دون : أدنى مكان من الشيء واتسع فيه حتى استعمل في تخطي شيء إلى شيء آخر ومنه ما في هذه الآية ، وله معان أخر منها التقصير عن الغاية والحقارة ، والعرب تقول هذا دون ذلك أي أقرب منه { إن كنتم صادقين } فيما قلتم إنكم تقدرون على المعارضة . وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم ، أو أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقوله من تلقاء نفسه ، والأول أولى ، والصدق خلاف الكذب ، وهو مطابقة الخبر للواقع أو الإعتقاد أو لهما على الخلاف المعروف في علم المعاني .