الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (23)

{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } الآية نزلت في الكفّار ، وذلك أنهم قالوا لما سمعوا القرآن : ما يشبه هذا كلام الله وإنّا لفي شكَ منه ، فأنزل الله تعالى { وَإِن كُنْتُمْ } يا معشر الكفّار ، [ وإن ] لفظة جزاء وشرط ، ومعناه : إذ ؛ لأنّ الله تعالى علم إنهم شاكّون كقوله : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ] وقوله : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 278 ] .

قال الأعشى :

بانت وقد أسفرت في النفس حاجتها *** بعد ائتلاف وخير الودّ ما نفعا

قال المؤرّخ : أصلها من السّورة وهي الوثبة : تقول العرب سرت إليه وثبت إليه .

قال العجاج :

وربّ ذي سرادق محجورٌ *** سرت إليه في أعالي السّور

قال الأعشى :

وسمعت حلفتها التي حلفت *** إن كان سمعك غير ذي وقر

{ فِي رَيْبٍ } أي في شك وتهمة . { مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } محمد يعني القرآن . { فَأْتُواْ } لم يأتوا بمثله ، لأنّ الله علم عجزهم عنه . { بِسُورَةٍ } أصلها في قول بعضهم : من أسارت ، أي أفضلت فحذفت الهمزة كأنّها قطعة من القرآن ، وقيل : هي الدرجة الرفيعة ، وأصلها من سور البناء ، أي منزلة بعد منزلة . قال النابغة :

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة *** ترى كل مُلْك دونها يتذبذب

{ مِّن مِّثْلِهِ } يعني مثل القرآن ، و( من ) صلة كقوله تعالى : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } [ النور : 30-31 ] .

كقول النابغة :

ولا أرى ملكاً في الناس يشبهه *** ولا أخا ( لي ) من الأقوام من أحد

أي أحداً .

وقيل في قوله : ( مثله ) : راجعة الى محمد صلى الله عليه وسلم ومعناه : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } أي من رجل أُمّي لا يُحسن الخط والكتابة . { وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم } يعني استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله .

وقال مجاهد والقرظي : ناساً يشهدون لكم .

وإنما ذكر الاستعانة بلفظ الدعاء على عادة العرب في دعائهم القائل في الحروب والشدائد : [ يال . . . . . ] .

قال الشاعر :

فلمّا التقت فرساننا ورجالهم *** دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر

{ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنّ محمداً أسرّ قوله من تلقاء نفسه .