قال سُنَيْد ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جُبَيْر قال : قال المشركون : يا محمد ، إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء ، فمنهم من سُخّرت له الريح ، ومنهم من كان يحيي الموتى ، فإن سَرّك أن نؤمن بك ونصدقك ، فادع ربك أن يكون لنا الصفا ذهبًا . فأوحى الله إليه : " إني قد سمعت الذي قالوا ، فإن شئت أن نفعل الذي قالوا ، فإن لم يؤمنوا نزل العذاب ؛ فإنه ليس بعد نزول الآية مناظرة ، وإن شئت أن نَستأني بقومك استأنيتُ بهم ؟ " قال : " يا رب ، استأن بهم " .
وكذا قال قتادة ، وابن جريج ، وغيرهما .
قال{[17619]} الإمام أحمد : حدثنا عثمان بن محمد ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس{[17620]} ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبًا ، وأن ينحي الجبال عنهم فيزرعوا ، فقيل له : إن شئت أن نستأني بهم ، وإن شئت أن نُؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكتُ من كان قبلهم من الأمم : قال : " لا بل استأن بهم " . وأنزل الله : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً } رواه{[17621]} النسائي من حديث جرير ، به{[17622]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن سَلَمة بن كُهيل ، عن عمران أبى الحكيم{[17623]} ، عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ، ونؤمن بك . قال : " وتفعلون ؟ " قالوا : نعم . قال : فدعا فأتاه جبريل فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبًا ، فمن كفر منهم بعد ذلك عَذّبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة . فقال : " بل باب التوبة والرحمة " {[17624]} .
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا محمد بن إسماعيل بن علي الأنصاري ، حدثنا خلف ابن تميم المصيصي ، عن عبد الجبار بن عمار الأيلِيّ ، عن عبد الله بن عطاء بن إبراهيم ، عن جدته أم عطاء مولاة الزبير بن العوام قالت : سمعت الزبير يقول : لما نزلت : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي قَبِيس : " يا آل عبد مناف ، إني نذير ! " فجاءته قريش فحذرهم وأنذرهم ، فقالوا : تزعم أنك نبي يوحى إليك ، وأن سليمان سخر له الريح والجبال ، وأن موسى سخر له البحر ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، فادع الله أن يسير عنا هذه الجبال ، ويفجر{[17625]} لنا الأرض أنهارًا ، فنتخذها محارث فنزرع ونأكل ، وإلا فادع الله أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا ، وإلا فادع الله أن يصير لنا هذه الصخرة التي تحتك ذهبًا ، فننحت منها ، وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف ، فإنك تزعم أنك كهيئتهم ! قال : فبينا نحن حوله ، إذ نزل عليه الوحي ، فلما سري عنه قال : " والذي نفسي بيده ، لقد أعطاني ما سألتم ، ولو شئت لكان ، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة ، فيؤمن مؤمنكم ، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم ، فتضلوا عن باب الرحمة ، فلا يؤمن منكم أحد ، فاخترت باب الرحمة ، فيؤمن مؤمنكم . وأخبرني أنه إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم ، أنه يعذبكم عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين " ونزلت : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ }
وحتى قرأ ثلاث آيات ونزلت : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } [ الرعد : 31 ]{[17626]} .
ولهذا قال تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ } أي : نبعث الآيات ونأتي بها على ما سأل قومك منك ، فإنه سهل علينا يسير لدينا ، إلا أنه قد كذب بها الأولون بعدما سألوها ، وجرت سنتنا فيهم وفي أمثالهم أنهم لا يؤخرون إذا كذبوا بها بعد نزولها ، كما قال الله تعالى في المائدة : : { قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 115 ] وقال تعالى عن ثمود ، حين سألوا آية : ناقة تخرج{[17627]} من صخرة عَيَّنُوها ، فدعا صالح ربه ، فأخرج له منها ناقة على ما سألوا " فظلموا بها " {[17628]} أي : كفروا بمن خلقها ، وكذبوا رسوله وعقروا الناقة فقال : { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ } أي : دالة على وحدانية من خلقها وصدق الرسول الذي أجيب دعاؤه فيها { فَظَلَمُوا بِهَا } أي : كفروا بها ومنعوها شِرْبها وقتلوها ، فأبادهم الله عن آخرهم ، وانتقم منهم ، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر .
وقوله : { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا } قال قتادة : إن الله خوف الناس بما يشاء{[17629]} من آياته لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ، ذُكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود فقال : يا أيها الناس ، إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه .
وهكذا رُوي أن المدينة زُلزلت على عهد عمر بن الخطاب مرات ، فقال عمر : أحدثتم ، والله لئن عادت لأفعلن ولأفعلن . وكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكن الله ، عز وجل ، يرسلهما يخوف بهما{[17630]} عباده ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره " . ثم قال : " يا أمة محمد ، والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد ، والله لو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا " {[17631]} .
وقوله تعالى : { وما منعنا أن نرسل } الآية ، هذه العبارة في معناها هي على ظاهر ما تفهم العرب ، فسمى سبق قضائه بتكذيب من كذب وتعذيبه منعاً ، وأن الأولى في موضع نصب ، والثانية في موضع رفع ، والتقدير : وما منعنا الإرسال إلا التكذيب ، وسبب هذه الآية أن قريشاً اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، واقترح بعضهم أن يزيل عنهم الجبال حتى يزرعوا الأرض ، فأوحى الله إلى محمد عليه السلام ، إن شئت أن أفعل ذلك لهم ، فإن تأخروا عن لاإيمان عاجلتهم العقوبة ، وإن شئت استأنيت بهم ، عسى أن أجتبي منهم مؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بل تستأني بهم يا رب » ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لم يمنعه من إرسال الآيات المقترحة إلا الاستيناء ، إذ قد سلفت عادته بمعالجة الأمم الذين جاءتهم الآيات المقترحة فلم يؤمنوا ، قال الزجاج : أخبر تعالى أن موعد كفار هذه الأمة الساعة ، بقوله { بل الساعة موعدهم }{[7611]} ، فهذه الآية تنظر إلى ذلك ، ثم ذكر أمر ثمود ، احتجاجاً إن قال منهم قائل نحن كنا نؤمن لو جاءتنا آية اقترحناها ولا نكفر بوجه ، فذكر الله تعالى ثمود ، بمعنى : لا تؤمنون إن تظلموا بالآية كما ظلمت ثمود بالناقة ، وقرأ الجمهور : «ثمود » بغير تنوين ، قال هارون : أهل الكوفة ينونون «ثموداً » في كل وجه ، قال أبو حاتم : لا تنون العامة والعلماء بالقرآن «ثمود » في وجه من الوجوه ، وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة ، ونحن نقرؤها بغير ألف ، وقوله { مبصرة } على جهة النسب أي معها إبصار ، كما قال : { آية النهار مبصرة }{[7612]} أي معها إبصار ممن ينظر ، وهذا عبارة عن بيان أمرها ، ووضوح إعجازها ، وقرأ قوم «مُبصَرة » بضم الميم وفتح الصاد ، حكاه الزجاج ، ومعناه متبينة ، وقرأ قتادة «مَبصَرة » بفتح الميم والصاد ، وهي مَفعَلة من البصر ومثله قول عنترة : [ الكامل ] .
الكفر مخبثة لنفس المنعم{[7613]} . . . وقوله { فظلموا بها } أي وضعوا الفعل غير موضعه ، أي بعقرها ، وقيل بالكفر في أمرها ، ثم أخبر الله تعالى أنه إنما يرسل { بالآيات } غير المقترحة { تخويفاً } للعباد ، وهي آيات معها إمهال لا معاجلة ، فمن ذلك الكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح وغير ذلك ، قال الحسن والموت الذريع{[7614]} ، وروي أن الكوفة رجفت في مدة عبد الله بن مسعود . فقال : أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه ، ومن هذا قول النبي علي السلام في الكسوف : «فافزعوا إلى الصلاة » الحديث{[7615]} ، وآيات الله المعتبر بها ثلاثة أقسام : فقسم عام في كل شيء إذ حيثما وضعت نظرك وجدت آية ، وهنا فكرة العلماء ، وقسم معتاد غباً كالرعد والكسوف ونحوه ، وهنا فكرة الجهلة فقط ، وقسم خارق للعادة وقد انقضى بانقضاء النبوءة ، وإنما يعتبر به توهماً لما سلف منه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما منعنا أن نرسل بالآيات} مع محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومين، سألا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم الله الآيات كما فعل بالقرون الأولى، وسؤالهما النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالا في هذه السورة: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا...} إلى آخر الآيات فأنزل الله عز وجل: {وما منعنا أن نرسل بالآيات} إلى قومك كما سألوا، {إلا أن كذب بها الأولون}، يعنى الأمم الخالية، فعذبتهم، ولو جئتهم بآية فردوها وكذبوا بها أهلكناهم، كما فعلنا بالقرون الأولى، فلذلك أخرنا الآيات عنهم، ثم قال سبحانه: {وءاتينا}، يعني: وأعطينا، {ثمود الناقة مبصرة}، يعني: معاينة يبصرونها، {فظلموا بها}، يعني: فجحدوا بها أنها ليست من الله عز وجل، ثم عقروها، ثم قال عز وجل: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}، للناس، فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وما منعنا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك، إلا أن كان من قبلهم من الأمم المكذّبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم فلما أتاهم ما سألوا منه كذّبوا رسلهم، فلم يصدّقوا مع مجيء الآيات، فعوجلوا فلم نرسل إلى قومك بالآيات، لأنّا لو أرسلنا بها إليها، فكذّبوا بها، سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلها... يقول تعالى ذكره: وقد سأل الآيات يا محمد من قِبَل قومك ثمود، فآتيناها ما سألت، وجعلنا تلك الآية ناقة مبصرة. جعل الإبصار للناقة، كما تقول للشجة: موضحة، وهذه حجة مبينة. وإنما عنى بالمبصرة: المضيئة البينة التي من يراها كانوا أهل بصر بها، أنها لله حجة، كما قيل:"والنهارَ مُبْصِرا" وقوله: فَظَلَمُوا بِها يقول عزّ وجلّ: فكان بها ظلمهم، وذلك أنهم قتلوها وعقروها، فكان ظلمهم بعقرها وقتلها. وقد قيل: معنى ذلك: فكفروا بها، ولا وجه لذلك إلا أن يقول قائله أراد: فكفروا بالله بقتلها، فيكون ذلك وجها.
وأما قوله: "وَما نُرْسِلُ بالآيات إلاّ تَخْوِيفا "فإنه يقول: وما نرسل بالعبر والذكر إلا تخويفا للعباد...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
التخويف بالآيات ذلك من مقتضى تجمله؛ فإنْ لم يخافوا وَقَعَ عليهم العذاب ثم إنه عَلِمَ أنه لا يفوته شيءٌ بتأخير العقوبة عنهم فَأَخَّر العذابَ. وله أن يفعل ما يشاء بمقتضى حُكْمِه وعِلْمه.
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
{وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها} معناه: آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها. فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء، ولم يدر أنهم بماذا ظلموا غيرهم أو أنفسهم؟ [الإحياء: 1/343]...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة. و «أن» الأولى منصوبة والثانية مرفوعة، تقديره: وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين. والمراد: الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهباً ومن إحياء الموتى وغير ذلك: وعادة الله في الأمم أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها ثم لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستئصال، فالمعنى: وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك وقالوا هذا سحر مبين كما يقولون في غيرها، واستوجبوا العذاب المستأصل، وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة، ثم ذكر من تلك الآيات -التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت فأهلكوا- واحدة: وهي ناقة صالح؛ لأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم {مُبْصِرَةً} بينة... {فَظَلَمُواْ بِهَا} فكفروا بها {وَمَا نُرْسِلُ بالآيات} إن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها {إِلاَّ تَخْوِيفًا} من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدّمة له، فإن لم يخافوا وقع عليهم وإن أراد غيرها فالمعنى: وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفاً وإنذاراً بعذاب الآخرة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله {فظلموا بها} أي وضعوا الفعل غير موضعه، أي بعقرها، وقيل بالكفر في أمرها، ثم أخبر الله تعالى أنه إنما يرسل {بالآيات} غير المقترحة {تخويفاً} للعباد، وهي آيات معها إمهال لا معاجلة، فمن ذلك الكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح وغير ذلك ومن هذا قول النبي علي السلام في الكسوف: «فافزعوا إلى الصلاة» الحديث، وآيات الله المعتبر بها ثلاثة أقسام: فقسم عام في كل شيء إذ حيثما وضعت نظرك وجدت آية، وهنا فكرة العلماء، وقسم معتاد غباً كالرعد والكسوف ونحوه، وهنا فكرة الجهلة فقط، وقسم خارق للعادة وقد انقضى بانقضاء النبوءة، وإنما يعتبر به توهماً لما سلف منه.
كفار قريش اقترحوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إظهار معجزات عظيمة قاهرة كما حكى الله عنهم أنهم قالوا: {لولا يأتينا بآية كما أرسل الأولون}.
وقال آخرون: المراد ما طلبوه بقولهم: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} وعن سعيد بن جبير أن القوم قالوا: إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء فمنهم: من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى فأتنا بشيء من هذه المعجزات. فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون}... وفي تفسير هذا الجواب وجوه:
الوجه الأول: المعنى أنه تعالى لو أظهر تلك المعجزات القاهرة ثم لم يؤمنوا بها بل بقوا مصرين على كفرهم، فحينئذ يصيرون مستحقين لعذاب الاستئصال، لكن إنزال عذاب الاستئصال على هذه الأمة غير جائز، لأن الله تعالى أعلم أن فيهم من سيؤمن أو يؤمن أولادهم، فلهذا السبب ما أجابهم الله تعالى إلى مطلوبهم وما أظهر تلك المعجزات القاهرة...
الوجه الثاني: في تفسير هذا الجواب: أنا لا نظهر هذه المعجزات لأن آباءكم الذين رأوها لم يؤمنوا بها وأنتم مقلدون لهم، فلو رأيتموها أنتم لم تؤمنوا بها أيضا.
الوجه الثالث: أن الأولين شاهدوا هذه المعجزات وكذبوا بها، فعلم الله منكم أيضا أنكم لو شاهدتموها لكذبتم فكان إظهارها عبثا، والعبث لا يفعله الحكيم...
{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} قيل: لا آية إلا وتتضمن التخويف بها عند التكذيب إما من العذاب المعجل أو من عذاب الآخرة...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
" وما نرسل بالآيات إلا تخويفا "فيه خمسة أقوال:
الأول: العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفا للمكذبين.
الثاني: أنها آيات الانتقام تخويفا من المعاصي.
الثالث: أنها تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى مشيب، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمرك؛ وهذا قول أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
الخامس: الموت الذريع، قاله الحسن.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت كفار قريش تكرر اقتراحهم للآيات بعد أن اشتد أذاهم، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لشدة حرصه على إيمان كل أحد فكيف بقومه العرب فكيف ببني عمه منهم- ربما أحب أن الله تعالى يجيبهم إلى مقترحهم طمعاً في إيمانهم وإراحة له ولأتباعه من أذاهم، وكان ما رأوه من آية الإسراء أمراً باهراً ثم لم يؤمنوا، بل ارتد بعض من كان آمن منهم، كان المقام في قوة اقتضائه أن يقال بعد ذكر آية العذاب: ما لهم لا يعجل عذابهم أو يجابون إلى مقترحاتهم ليقضى الأمر؟ فيقال في الجواب: ما منعنا من تعجيل عذابهم إلا أنا ضربنا لهم أجلاً لا بد من بلوغه {وما منعنا} أي على ما لنا من العظمة التي لا يعجزها شيء ولا يمنعها مانع {أن نرسل} أي إرسالاً يظهر عظمتنا على وجه العموم {بالآيات} أي التي اقترحتها قريش، فكان كأنه لا آيات عندهم سواها {إلا} علمنا في عالم الشهادة بما وقع من {أن كذب بها} أي المقترحات {الأولون} وعلمنا في عالم الغيب أن هؤلاء مثل الأولين في أن الشقي منهم لا يؤمن بالمقترحات كما لم يؤمن بغيرها، وأنه يقول فيها ما قال في غيرها من أنها سحر ونحو هذا، والسعيد لا يحتاج في إيمانه إليها، فكم أجبنا أمة إلى مقترحها فما زاد ذلك أهل الضلالة منهم إلا كفراً، فأخذناهم لأن سنتنا جرت أنا لا نمهل بعد الإجابة إلى المقترحات من كذب بها، ونحن قد قضينا برحمة هذه الأمة وتشريفها على الأمم السالفة بعدم استئصالها، لما يخرج من أصلاب كفرتها من خلص عبادنا، والمنع هنا مبالغة مراد بها نفي إجابتهم إلى مقترحاتهم، ولا يجوز أخذه على ظاهره، لأنه وجود ما يتعذر معه وقوع الفعل من القادر عليه، ثم عطف على ما دل عليه المقام وهو: فكم أجبنا -إلى آخر ما ذكرته، قوله تعالى: {وءاتينا} أي بما لنا من العزة الباهرة {ثمود الناقة} حال كونها {مبصرة} أي مضيئة، جديرة بأن يستبصر بها كل من شاهدها {فظلموا بها} أي فوقعوا في الظلم الذي هو كالظلام بسببها، بأن لم يؤمنوا ولم يخافوا عاقبتها، وخص آية ثمود بالذكر تحذيراً بسبب أنهم عرب اقترحوا ما كان سبباً لاستئصالهم، ولأن لهم من علمها وعلم مساكنهم بقربها إليهم وكونها في بلادهم ما ليس لهم من علم غيرها، وخص الناقة لأنها حيوان أخرجه من حجر، والمقام لإثبات القدرة على الإعادة ولو كانوا حجارة أو حديداً، ودل على سفههم في كلا الأمرين على طريق النشر المشوش بذكر داود عليه السلام إشارة إلى الحديد، والناقة إشارة إلى الحجارة، فلله هذه الإشارة ما أدقها! وهذه العبارة ما أجلها وأحقها! {وما نرسل} أي بما لنا من الجلالة التي هي بحيث تذوب لها الجبال {بالآيات} أي المقترحات وغيرها {إلا تخويفاً} أي للمرسل إليهم بها، فإن خافوا نجوا وإلا هلكوا فإذا كشف الأمر لكم في عالم الشهادة عن أنهم لا يخافونها وفق ما كان عندنا في عالم الغيب، علم أنه لا فائدة لكم فيها.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
يذكر تعالى رحمته بعدم إنزاله الآيات التي يقترح بها المكذبون، وأنه ما منعه أن يرسلها إلا خوفا من تكذيبهم لها، فإذا كذبوا بها عاجلهم العقاب وحل بهم من غير تأخير كما فعل بالأولين الذين كذبوا بها. ومن أعظم الآيات الآية التي أرسلها الله إلى ثمود وهي الناقة العظيمة الباهرة التي كانت تصدر عنها جميع القبيلة بأجمعها ومع ذلك كذبوا بها فأصابهم ما قص الله علينا في كتابه، وهؤلاء كذلك لو جاءتهم الآيات الكبار لم يؤمنوا، فإنه ما منعهم من الإيمان خفاء ما جاء به الرسول واشتباهه هل هو حق أو باطل؟ فإنه قد جاء من البراهين الكثيرة ما دل على صحة ما جاء به الموجب لهداية من طلب الهداية فغيرها مثلها فلا بد أن يسلكوا بها ما سلكوا بغيرها فترك إنزالها والحالة هذه خير لهم وأنفع...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد كانت الخوارق تصاحب الرسالات لتصديق الرسل وتخويف الناس من عاقبة التكذيب وهي الهلاك بالعذاب. ولكن لم يؤمن بهذه الخوارق إلا المستعدة قلوبهم للإيمان؛ أما الجاحدون فقد كذبوا بها في زمانهم. ومن هنا جاءت الرسالة الأخيرة غير مصحوبة بهذه الخوارق:
(وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون. وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها. وما نرسل بالآيات إلا تخويفا).
إن معجزة الإسلام هي القرآن. وهو كتاب يرسم منهجا كاملا للحياة. ويخاطب الفكر والقلب، ويلبي الفطرة القويمة. ويبقى مفتوحا للأجيال المتتابعة تقرؤه وتؤمن به إلى يوم القيامة. أما الخارقة المادية فهي تخاطب جيلا واحدا من الناس، وتقتصر على من يشاهدها من هذا الجيل.
على أن كثرة من كانوا يشاهدون الآيات لم يؤمنوا بها. وقد ضرب السياق المثل بثمود، الذين جاءتهم الناقة وفق ما طلبوا واقترحوا آية واضحة. فظلموا بها أنفسهم وأوردوها موارد الهلكة تصديقا لوعد الله بإهلاك المكذبين بالآية الخارقة. وما كانت الآيات إلا إنذارا أو تخويفا بحتمية الهلاك بعد مجيء الآيات.
هذه التجارب البشرية اقتضت أن تجيء الرسالة الأخيرة غير مصحوبة بالخوارق. لأنها رسالة الأجيال المقبلة جميعها لا رسالة جيل واحد يراها. ولأنها رسالة الرشد البشري تخاطب مدارك الإنسان جيلا بعد جيل، وتحترم إدراكه الذي تتميز به بشريته والذي من أجله كرمه الله على كثير من خلقه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي إنما أمهلنا المتمردين على الكفر إلى أجل نزول العذاب ولم نجبهم إلى ما طلبوا من الآيات لعدم جدوى إرسال الآيات للأولين من قبيلهم في الكفر على حسب اقتراحهم فكذبوا بالآيات... المنع هنا مستعار للصرف عن الفعل وعدم إيقاعه دون محاولة إتيَانِه... والمعنى: أننا نعلم أنهم لا يؤمنون كما لم يؤمن من قبلهم من الكفرة لما جاءتهم أمثال تلك الآيات. فعلم الناس أن الإصْرار على الكفر سجية للمشرك لا يقلعها إظهار الآيات، فلو آمن الأولون عندما أظهرت لهم الآيات لكان لهؤلاء أن يجعلوا إيمانهم موقوفاً على إيجاد الآيات التي سألوها. قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية} [يونس: 96 97]...
والأظهر أن هذا تثبيت لأفئدة المؤمنين لئلا يفتنهم الشيطان، وتسلية للنبيء لحرصه على إيمان قومه فلعله يتمنى أن يجيبهم الله لما سألوا من الآيات ولحزنه من أن يظنوه كاذباً...
ومعنى {مبصرة} واضحة الدلالة، فهو اسم فاعل أبصر المتعدي إلى مفعول، أي جعل غيرَه مُبصراً وذا بصيرة. فالمعنى: أنها مفيدة البصيرة، أي اليقين، أي تجعل من رآها ذا بصيرة وتفيدهُ أنها آية. ومنه قوله تعالى: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين} [النمل: 13]...
{فظلموا بها} يجوز أن يكون استُعمل الظلم بمعنى الكُفر لأنه ظلم النفس، وتكون الباء للتعدية لأن فعل الكفر يعدى إلى المكفور بالباء. ويجوز أن يكون الظلم مضمناً معنى الجحد، أي كابروا في كونها آية... ويجوز بقاء الظلم على حقيقته، وهي الاعتداء بدون حق، والباء صلة لتوكيد التعدية... والتخويف: جعل المرء خائفاً. والقصر في قوله: {إلا تخويفاً} لقصر الإرسال بالآيات على علة التخويف، وهو قصر إضافي، أي لا مباراة بين الرسل وأقوامهم أو لا طمعاً في إيمان الأقوام فقد علمنا أنهم لا يؤمنون...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
الموقف من طلب المشركين للمعاجز:
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآياتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ} ظاهر هذه الفقرة من الآية، أن الله سبحانه كان يرسل الأنبياء بالآيات المعجزة التي تخرق المألوف، في ما يقترحه الناس عليهم، أو ما لا يقترحونه، ولكن تلك الأمم السابقة كذّبت بهذه الآيات، ما جعلها لا تؤدي المهمّة التي أرادها الله من تخويف الناس والضغط عليهم لمصلحة الإيمان به وبرسله، وذلك لما تثيره في نفوسهم من الأجواء الروحية التي تدفعهم إلى الاهتمام والتفكير بالمسألة الإيمانية من موقعٍ ثابتٍ، الأمر الذي أدى إلى أن يرسل الله نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن، الذي يخاطب في الإنسان عقله وفكره ووجدانه، ليفهم طبيعة الإيمان ويقتنع بها، من خلال التفكير الذي يتلمس الأسلوب والمضمون، في ما يكتشفه من الإعجاز القرآني، ومن الحقائق الإسلامية الرسالية، ولهذا لم يستجب لمقترحات قريش على النبي صلى الله عليه وسلم من تفجير الصخور إلى ينابيع، ومن تحويل الصحراء إلى جنات، ومن الصعود إلى السماء، ومن إنزال الكتاب السماوي بطريقةٍ خارقةٍ للعادة، لأن ذلك لن يحقق أيّة نتيجةٍ، ما داموا لا يملكون إرادة الإيمان التي تدفعهم إلى دراسة الوسائل الفكرية والعملية الموصلة إليه، ولهذا فإنهم يواجهون المسألة من خلال أسلوبين في الرفض، فإذا استجاب النبي لهم، فإنهم سيعتبرون ذلك سحراً، وإذا لم يستجب لهم، فإنهم سيرون في ذلك دليلاً على عجزه وابتعاده عن مقام النبوّة.
ولكن، إذا كانت الآيات مرادفةً للتكذيب من قبل الكافرين، فإن معنى ذلك أنها عديمة الفائدة، فكيف أرسلها الله عليهم ولم يمنعها عنهم، كما منعها في نهاية المطاف، لأن ما يكون سبباً للمنع لاحقاً، لا بد من أن يكون كذلك في السابق، لأن المحذور مشترك بين الزمانين أو الحالتين.
وقد أجاب البعض عن هذا الإشكال بأن التكذيب مساوقٌ للتعذيب في إرادة الله، كما قرره في بعض آياته، وذلك في حالات إنزال الآيات المقترحة من قبلهم، وهذا ما لا مجال له في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم)، لأن الله قد رفع العذاب عنهم بسبب وجود النبي (صلى الله عليه وسلم) فيهم، وبسبب استغفارهم كما جاء في الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] فلو أنَّ النبي استجاب لمقترحاتهم لكذبوه، ولكان ذلك موجباً لنزول العذاب عليهم، مما لا يتناسب مع هذه السنة الإلهية الجديدة في أمر الواقع الإسلامي...
وقد ورد في الدر المنثور، أخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم، وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة، عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون، فقيل له: إن شئت أن نتأنّى بهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم. قال: لا، بل أستأني بهم. فأنزل الله: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآياتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ}.
النبوّة الخاتمة تفرض آية مختلفة:
وهناك توجيهٌ آخر، ربّما لا يكون بعيداً عن جو الآية، وهو أن نبوّة النبي (صلى الله عليه وسلم) هي النبوّة الأخيرة في تاريخ الإنسان، فهي خاتمة النبوات، كما أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) هو خاتم الأنبياء. وهذا ما يفرض أن لا تكون الآيات هي الأساس الذي يرتكز عليه التحدّي وينطلق منه الإيمان، لأن ذلك مما يذهب بذهاب الآية التي تتضمن عنصراً مؤقتاً محدوداً، الأمر الذي يؤدّي إلى لغويّة إرسال الآية وعبثيّته، لأن الساحة لا تملك آيةً جديدةً تعمل من أجل تجربة جديدة للإيمان، بينما كانت الخطة تفرض الاستمرار للعنصر الحيّ الذي يغذي الساحة بالإيمان في كل مرحلة وجيل، مهما كفر الكافرون وكذب المكذبون، كما هو الحال في القرآن الذي يلتقي مع الخط الفكري القائم على العقل والوجدان في هداية الناس إلى الله سبحانه في كل خطوط الإيمان المتنوعة في الحياة.
أمّا في الأزمنة السابقة، فإن الآية التي يرسلها الله مع الإنذار بالعذاب تؤدي دوراً معيناً بالنسبة إلى الأمة التي تعيش في ذلك الزمن، كما تؤدي دوراً تحذيرياً بالنسبة إلى الأمم القادمة في مراحل النبوّات المتأخرة.
إننا نستقرب مثل هذا التوجيه في فهم الآية، وربما كان أقرب من التوجيه الذي ذكرناه سابقاً بالنسبة إلى ظهور الآية؛ والله العالم بحقائق آياته.
{وآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا} وهذا نموذج من الآيات التي أرسل الله بها رسوله «صالح»، فكذبوا بها وعقروها، فأنزل الله عليهم العذاب وأخذهم أخذ عزيز مقتدر. ولعل التأكيد على هذه النماذج، «لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم، يبصرها صادرهم وواردهم»، كما جاء في تفسير الكشاف.
{وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} وتحذيراً للناس، بعد أن قامت عليهم الحجة بها، فليس لهم عذر في الإنكار أو التمرّد، في ما تدل عليه هذه الآيات من صدق النبي في رسالته، وارتباط الرسالة بالله من خلال الوحي، ولذا فإنها تحمل في داخلها طبيعة الإنذار المستقبلي في حالات الانحراف، سواء على مستوى إثارة الخوف في عذاب الدنيا، أو في عذاب الآخرة.