تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

يخبرهما يوسف ، عليه السلام ، أنهما{[15170]} مهما رأيا في نومهما من حلم ، فإنه عارف{[15171]} بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه ؛ ولهذا قال : { لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا }

قال مجاهد : يقول : { لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } [ في نومكما ]{[15172]} { إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا } وكذا قال السدي .

وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا محمد بن يزيد - شيخ له - حدثنا رشدين ، عن الحسن بن ثوبان ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : ما أدري لعل يوسف ، عليه السلام ، كان يعتاف وهو كذلك ، لأني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين : { لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } قال : إذا جاء الطعام حلوا أو مرا أعتاف عند ذلك . ثم قال ابن عباس : إنما علم فعلم . وهذا أثر{[15173]} غريب .

ثم قال : وهذا إنما هو من تعليم الله إياي ؛ لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر ، فلا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد .


[15170]:- في ت : "أنه".
[15171]:- في أ : "عالم".
[15172]:- زيادة من ت ، أ.
[15173]:- في ت : "أمر".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

روي عن السدي وابن إسحاق : أن يوسف عليه السلام لما علم شدة تعبير منامه رأى الخبز وأنها تؤذن بقتله ، ذهب إلى غير ذلك من الحديث ، عسى ألا يطالباه بالتعبير ، فقال لهما - معلماً بعظيم علمه للتعبير- : إنه لا يجيئكما طعام في نومكما ، تريان أنكما رزقتماه إلا أعلمتكما بتأويل ذلك الطعام ، أي بما يؤول إليه أمره في اليقظة ، قبل أن يظهر ذلك التأويل الذي أعلمكما به . فروي أنهما قالا : ومن أين لك ما تدعيه من العلم وأنت لست بكاهن ولا منجم ؟ فقال لهما : { ذلكما مما علمني ربي } ثم نهض ينحي لهما على الكفر ويحسن لهما الإيمان بالله : فروي أنه قصد في ذلك وجهين : أحدهما : تنسيتهما أمر تعبير ما سألا عنه - إذ في ذلك النذارة بقتل أحدهما - والآخر : الطماعية في إيمانهما . ليأخذ المقتول بحظه من الإيمان وتسلم له آخرته . وقال ابن جريج : أراد يوسف عليه السلام : { لا يأتيكما طعام } في اليقظة { ترزقانه إلا نبأتكما } منه بعلم وبما يؤول إليه أمركما { قبل أن يأتيكما } ذلك المآل .

قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا إنما أعلمهم{[6684]} بأن يعلم مغيبات لا تعلق لها برؤيا . وقصد بذلك أحد الوجهين المتقدمين . وهذا على ما روي من أنه نبىء في السجن ، فإخباره كإخبار عيسى عليه السلام ، وقال ابن جريج : كانت عادة ذلك الملك إذا أراد قتل أحد ممن في سجنه بعث إليه طعاماً يجعله علامة لقتله .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله لا يقتضيه اللفظ ولا ينهض به إسناد .

وقوله : { تركت } مع أنه لم يتشبث بها ، جائز صحيح ، وذلك أنه أخبر عن تجنبه من أول بالترك ، وساق لفظة الترك استجلاباً لهما عسى أن يتوكأ الترك الحقيقي الذي هو بعد أخذ في الشيء ، والقوم المتروكة ملتهم : الملك وأتباعه . وكرر قوله : { هم } على جهة التأكيد ، وحسن ذلك للفاصلة التي بينهما .


[6684]:لعله أراد أن خطابه كان للفتيين وصاحب السجن وكل من فيه، ولذا عبر عنهم بضمير الجمع.